المشاركات

عرض المشاركات من أكتوبر, 2025

(26) سورة البقرة - العهد الإلهي مع بني إسرائيل ودلالته على ختم النبوة

 : المقدمه  إن من أعظم سنن الله في تاريخ الرسالات أنه يأخذ العهود والمواثيق مع الأمم لتقوم بواجب الإيمان والطاعة، وليتهيأ الناس لاستقبال الهداية التي تتتابع عبر الرسل حتى تكتمل بنور النبوة الخاتمة. ومن بين تلك الأمم التي اصطفاها الله وابتلاها بالميثاق، بنو إسرائيل، الذين خصّهم الله بنعمٍ عظيمة، وأرسل فيهم سلسلةً من الأنبياء الذين حملوا رسالاتٍ متتابعة هدفها تزكية النفس وتطهيرها من أهواء الدنيا، وتعليم الإنسان كيف يسمو بروحه إلى مقام الإحسان . وقد كان عهد الله مع بني إسرائيل قائمًا على الإيمان بجميع الأنبياء، والاتباع للنبي الخاتم محمد ﷺ عند بعثته، كما جاء في كتبهم وبيّنته آيات القرآن. ومن خلال دراسة سير أنبيائهم — من يوسف وموسى إلى داوود وسليمان وآل عمران — نرى كيف أراد الله أن يُربّي فيهم روح الطاعة، والصبر، والزهد، والعلم، والتواضع، تمهيدًا لبعثة النبي ﷺ الذي أُرسل رحمةً للعالمين، ليُتمّ الله به نعمته ويُكمل دينه . وفي هذا الدرس سنتأمل في هذا العهد الإلهي بين الله وبني إسرائيل، ونستعرض كيف مثّلت رسالات أنبيائهم مراحل من التربية الروحية التي بلغت كمالها بخاتم الأنبياء م...

(25) سورة البقره - القرآن الكريم: مصدِّق ومهيمن على الكتب السابقة

المقدمة :    من أعظم القضايا التي جاء بها القرآن الكريم أنه ليس كتابًا جديدًا منفصلًا عن الرسالات السابقة، بل هو مصدِّق لما أنزله الله على أنبيائه من قبل، ومهيمنٌ عليها في الوقت نفسه. فهو يشهد لما فيها من حق، ويكشف ما أصابها من تحريف، ويضع المقياس الفاصل بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والخير والشر . وقد أوضح الله تعالى ذلك في مواضع عدة من كتابه، منها قوله في سورة البقرة: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾، وقوله في سورة المائدة: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾. وهذا يبيّن لنا أن القرآن جمع بين التصديق والهيمنة، فهو جامع لفضائل الكتب السابقة، وزيادة عليها، وهو المرجع الخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . ومن هنا كان لزامًا على المسلم أن يعرف كيف صدّق القرآن الكتب السابقة، وكيف هيمن عليها، ليزداد يقينًا بعظمة هذا الكتاب وخلوده، وليشهد أن الله قد أتمّ به نعمته وأكمل به دينه .

(24) سورة البقرة – الصبر والصلاة سبيل معية الله والفوز في الدنيا والآخرة

المقدمة : أيها الأحبة في الله، القرآن الكريم كتاب هداية، يوجّه قلوب المؤمنين إلى ما فيه قوتها وثباتها، ومن أعظم ما أمر الله به عباده أن يلجؤوا إليه بالصبر والصلاة. وقد جمع الله بينهما في مواضع عدة، ليبين لنا أن طريق الاستعانة لا يكتمل إلا بهما معًا؛ فالصبر يحفظ القلب على الطاعة ويقيه من المعصية ويثبّته عند البلاء، والصلاة توصل العبد بربه، وتغذيه بالذكر والخشوع واليقين . وحين نتأمل في الآيات الكريمة من سورة البقرة، ثم ما جاء في سورة الزمر من الحديث عن قيام الليل والصابرين الذين يوفَّون أجرهم بغير حساب، ندرك أن سرّ الفلاح في الدنيا والآخرة إنما هو في الجمع بين الصبر والصلاة، فمن جمعهما نال معية الله في الدنيا، وثوابه غير المحدود في الآخرة .  

  (23) سورة البقرة - سبع نِعَمٍ على بني إسرائيل بين الشكر والجحود

المقدمة : لقد قصَّ الله تعالى في كتابه العزيز أخبار الأمم السابقة؛ لا لمجرد السرد والتاريخ، وإنما للعبرة والتذكرة، وللاقتداء بالمحسنين والاتعاظ من المسيئين. ومن أعظم تلك الأمم التي تكرر ذكرها في القرآن : بنو إسرائيل، ذرية يعقوب عليه السلام، الذين خصَّهم الله تعالى بنِعَمٍ عظيمة، وأرسل فيهم أنبياء كرامًا، وأنزل عليهم كتبًا مباركة، ونجّاهم من الطغاة والظالمين . غير أنّ كثيرًا منهم لم يقابلوا هذه النعم بالشكر والطاعة، بل وقعوا في الجحود والمعصية، فصاروا عبرةً لغيرهم. وقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا ﷺ أن يذكّرهم بنعمه عليهم، كما قال تعالى في سورة البقرة : ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 40] . وفي اسم "إسرائيل" نفسه، الذي هو يعقوب عليه السلام، إشارةٌ إلى أصلهم النبوي، غير أنهم فرّطوا في إرث النبوة. وكلمة "إسرائيل" المكوّنة من سبعة أحرف، جعلها العلماء رمزًا لسبع نِعَمٍ كبرى، تجلت فيهم، لكنها ضاعت على من لم يقابلها بالاعتراف والشكر . ونحن اليوم، إذ نتأمل هذه النِّعَم السبع، لا نريد مجرد تلاوة أحداث مضت، بل لنعرف...

(22) سورة البقرة – كيف نبلغ مقام “لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ”

  البقرة: 22 – كيف نبلغ مقام “لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ”   المقدمة : الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى ورحمةً للمؤمنين، وجعل فيه بشارات تطمئن القلوب، فترفع عنها الخوف والحزن، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين . أيها الإخوة والأخوات الكرام، إن من أعظم ما ورد في كتاب الله عز وجل تكرار وعده لعباده المؤمنين بقوله : “ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ”. وهذه العبارة ليست مجرد تعبير عن الطمأنينة، بل هي مقام رفيع ومنزلة عظيمة ينالها من آمن بالله حق الإيمان، واتبع هديه، وتمسك بكتبه ورسله، وصبر على الابتلاءات، وشكر في النعم . وفي هذا الدرس نحاول أن نقف مع هذا الوعد الإلهي وقفة تأمل : ما معنى أن يعيش المؤمن بلا خوف ولا حزن؟ وما السبيل للوصول إلى هذه المنزلة العظيمة؟ وكيف يجمع المؤمن بين سعيه في الدنيا، ورجائه لنعيم الآخرة، ليكون من أهل هذا المقام؟ نسأل الله أن يفتح علينا من معاني كتابه، ويجعلنا من الذين آمنوا وكانوا يتقون، حتى نكون من أوليائه الذين وعدهم بالبشرى في الدنيا والآخرة .