(23) سورة البقرة - سبع نِعَمٍ على بني إسرائيل بين الشكر والجحود
المقدمة :
لقد قصَّ الله تعالى في كتابه العزيز أخبار الأمم السابقة؛ لا لمجرد السرد
والتاريخ، وإنما للعبرة والتذكرة، وللاقتداء بالمحسنين والاتعاظ من المسيئين. ومن
أعظم تلك الأمم التي تكرر ذكرها في القرآن: بنو إسرائيل، ذرية يعقوب عليه السلام، الذين خصَّهم الله تعالى بنِعَمٍ
عظيمة، وأرسل فيهم أنبياء كرامًا، وأنزل عليهم كتبًا مباركة، ونجّاهم من الطغاة
والظالمين.
غير أنّ كثيرًا منهم لم يقابلوا هذه النعم بالشكر والطاعة، بل وقعوا في
الجحود والمعصية، فصاروا عبرةً لغيرهم. وقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا ﷺ أن
يذكّرهم بنعمه عليهم، كما قال تعالى في سورة البقرة:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 40].
وفي اسم "إسرائيل" نفسه، الذي هو يعقوب عليه السلام، إشارةٌ إلى
أصلهم النبوي، غير أنهم فرّطوا في إرث النبوة. وكلمة "إسرائيل" المكوّنة
من سبعة أحرف، جعلها العلماء رمزًا لسبع نِعَمٍ كبرى، تجلت فيهم، لكنها ضاعت على
من لم يقابلها بالاعتراف والشكر.
ونحن اليوم، إذ نتأمل هذه النِّعَم السبع، لا نريد مجرد تلاوة أحداث مضت،
بل لنعرف مواضع الخلل التي وقعوا فيها، ونسأل الله أن يهدينا لنكون من الشاكرين
المهتدين، الذين يسيرون على نهج الأنبياء، ويتبعون آخرهم وخاتمهم، محمدٍ ﷺ.
الحمد لله ربِّ العالمين، والثناءُ للمولى جلَّ
وعلا، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمدٍ ﷺ عددًا لا يُحصى،
ورضوانُ الله على جميع الصحابة أجمعين.
موضوعنا اليوم: التعرّف على نعم الله التي خصَّ بها
بني إسرائيل.
أمّا "إسرائيل" فهو اسمٌ آخر للنبي يعقوب
عليه السلام، ولذلك يُقال: بنو إسرائيل أي: ذرية يعقوب وأعقابه. ونحن اليوم سنتعرّف على ما
أنعم الله به على هؤلاء القوم. وكلمة "إسرائيل" مكوّنة من سبعة أحرف،
ومن هنا سنتناول سبع نِعَم كبرى أنعم الله بها عليهم.
وقد ورد في حديثٍ صحيحٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما
ما يثبت أنّ "إسرائيل" هو يعقوب عليه السلام. قال: جاء بعض اليهود إلى
النبي ﷺ، فسألهم: «هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا .. الخ الحديث» فقالوا: نعم فقال
النبي ﷺ: «اللهم اشهد». أي: اشهد أنّ ما أخبر به نبيُّنا ﷺ إنما هو وحيٌ من الله،
دلالةً على صدق نبوّته. كما جاء في سورة مريم الآية (57) ذكرُ يعقوب عليه السلام
باسمه الآخر "إسرائيل"، وقد ذكره المفسرون وأجمعوا على ذلك.
وأمّا ذرية إسرائيل (يعقوب) فقد خصَّهم الله تعالى
بنِعَمٍ عظيمة، وذكر في القرآن جملةً من أنبيائهم الذين اصطفاهم: يوسف، موسى،
هارون، داود، سليمان، وكذلك من آل عمران: زكريا، يحيى، وعيسى عليهم السلام جميعًا.
فهؤلاء أنبياءٌ ورسُلٌ نصّ عليهم القرآن الكريم، أنعم الله عليهم وفضّلهم على
العالمين. كما شهدت ذراريهم وأتباعهم آثار تلك النعم الإلهية.
وقد ورد في سورة البقرة أن الله تعالى أمر بني
إسرائيل أن يذكروا نعمته عليهم. وهذه الآيات كانت موجهةً بالأساس إلى اليهود في
زمان النبي ﷺ. وقد ذكر المفسرون أنّ هذه النِّعم منها ما هو مبيَّن صراحةً في
النصوص، ومنها ما لم يُذكر بالتفصيل.
فمن النعم الظاهرة المذكورة: أنفجر الحجر بالماء
فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا، وإنزال المنَّ والسلوى عليهم، وإنقاذهم من عبودية
فرعون وجنوده.
وذكر التابعون أيضًا أنّ من أعظم النِّعم: أن الله
بعث فيهم الأنبياء والمرسلين، وأنزل عليهم الكتب السماوية. وهذه كلها كانت تذكرةً
لهم كي يكونوا من الشاكرين، فيهتدوا بنور الله.
وبسبب ما أنعم الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل من نعمٍ كثيرة، فإن
كثيرًا منهم لم يكونوا من الشاكرين، بل صاروا من الكافرين بالنِّعَم. ولذلك أراد
الله من البشر أن يذكروا نِعَمه عليهم، وخصوصًا أهل الكتاب منهم، كي يعتبروا
ويهتدوا إلى الصراط المستقيم. وبالطبع نعلم أنّ ما أنعم الله به عليهم إنما كان
بالحقّ، ولكنّهم صاروا من الكافرين لأنّهم لم يعرفوا ربَّهم المعرفة الكاملة، ولم
يعبدوه حقَّ العبادة، فكان ذلك سببًا في كونهم من الكافرين بالنعمة.
ولذلك أودُّ أن أربط بين النِّعَم السبع التي أُعطيت لهم وبين كونهم لم
يكونوا من الشاكرين لها، فأحلّل الأمر على هذا الأساس.
إنّ ربَّنا خالقُ العالمين، والعالمون مليئون بآياته، ومن خلال هذه الآيات
نتعرّف على أنّ له صفاته الذاتية، أي أنّه سبحانه متصفٌ بالكمالات والصفات
العُليا. ومن خلال الخلق والكون يتعرّف الإنسان على هذه الصفات، فيصير الإنسان
نفسه آيةً من آيات الله. وهذه النعم التي تظهر على الخلق ما هي إلا انعكاسٌ لصفات
الله. ولذلك فالله له سبعة من معانيه الذاتية، ومن خلال آيات الخلق نستطيع التعرّف
عليها:
1. صفة العلم والحكمة
التامة: فالله سبحانه هو العليم الحكيم، خالق السماوات والأرض، وكل ما خلقه آية
على علمه وحكمته. ومن آثار ذلك أن يُمنح الإنسان نصيبًا نسبيًّا من العلم والفهم
والحكمة.
2. صفة القدرة المطلقة: ربُّنا جل وعلا هو القادر على كل شيء، ومن آثار قدرته أن يظهر في الخلق ما
يشير إلى القوة والقدرة نسبيًّا، فيكون ذلك آيةً على قدرته العظمى.
3. صفة الجود والبرّ: فالله سبحانه هو المحسن العظيم ذو الفضل والبرّ، وينعكس ذلك في البشر
بوجود أهل الخُلُق الفاضل وأصحاب المروءة والفضائل.
4. صفة الحكم والتشريع
والملك: فهو سبحانه المالك الآمر، الذي له الحكم والتدبير. وقد أعطى البشر القدرة
على إصدار الأوامر وتنفيذها في حدودٍ معيّنة، وجعلهم خلفاء في الأرض، وهذا أثرٌ من
رحمته ومن صفته هذه.
5. صفة الإرادة المطلقة: فله الإرادة الكاملة الحرّة التي لا تُقيَّد بشيء. ومن رحمته أن منح
الإنسان والجنّ نصيبًا نسبيًّا من حرية الاختيار، ولكن لا يتحقق الخير إلا إذا
وُجِّهت هذه الإرادة بما يوافق إرادة الله العليا.
6. صفة الكلام والوحي: فالله سبحانه متكلم، يكلّم من يشاء من عباده، وقد أنزل الكتب على أنبيائه،
وهي كلامه ووحيه. وهذا من دلائل صفته هذه.
7. صفة الروح والحياة
القدسية: فالله سبحانه هو الحيّ القيوم، القدوس، المنزّه عن كل نقص. وقد منح
الإنسان من روحه "الرُّوح"، فصار به حيًّا ذا نفسٍ وسكينة، يطلب الآخرة
ويرجو لقاء ربِّه. ومن ذلك أن آدم عليه السلام نُفخ فيه من روح الله، وأن عيسى
عليه السلام سُمِّي روحًا منه، وأن جبريل عليه السلام سُمِّي الروح الأمين أو
الروح القدس. وكلها إشارات إلى هذه الصفة العظمى لله جل وعلا.
إنَّ ربَّنا جلَّ وعلا له سبع صفاتٍ عظيمة من كمالاته الذاتية، وهي من
محاسن أسمائه وصفاته. والإنسان باعتباره مخلوقًا يصبح آيةً من آياته، وما يظهر
عليه من الخصال إنما هو أثرٌ من هذه النِّعَم. ومن هنا نتعرّف على ما أنعم الله به
على بني إسرائيل – أي ذرية يعقوب عليه السلام – من سبع نِعَمٍ عظيمة.
أولاً: يعقوب عليه السلام (إسرائيل)
سُمِّي يعقوب "إسرائيل"، وقد ذكر الله في سورة يوسف في ثلاث
آيات (68، 86، 96) أن الله منحه العلم. وأكثر الناس لا يعلمون هذا العلم، مما
يبيّن أن هذه ميزة خاصة ونعمة اصطفائية من الله. فالذين ورثوا النبوة من ذريته
نالوا نصيبًا من هذا الكمال في المعرفة. وهذه المعرفة تكون في ثلاثة مجالات:
- معرفة العالم والكون، سواء عالم المادة أو الغيب.
- معرفة الإنسان لنفسه وما فيه من أسرار.
- معرفة الخالق سبحانه وتعالى، والإيمان به وتوحيده وعدم الإشراك به.
فأصحاب النبوة من بني إسرائيل بُعثوا ليعلّموا الناس هذه المعارف:
ليتحدثوا عن الغيب، وعن نعم الله في عالم المادة، وعن حقيقة العبودية لله.
ومن أوضح الأمثلة يوسف عليه السلام، أول وارث من ذرية إسرائيل. فقد خصّه
الله بالعلم والحكمة، كما يظهر في سورة يوسف. وهذه النعمة كانت موجهة لبني إسرائيل
ليذكّروها ويشكروها. لكن من لم يستفد من هذا العلم ولم يسلك سبيل الشكر، فقد ظلم
نفسه. فقد كان يوسف عليه السلام مثالاً للعفة والتقوى، كفَّ نفسه عن الفحشاء
والمنكر، وكان من المحسنين، وغفر لإخوته. فمن لم يقتدِ به من ذريته، فقد خان
النعمة وظلم نفسه.
ثانيًا: موسى عليه السلام وأخوه هارون
من صفات الله القدرة المطلقة، وقد أظهرها من خلال معجزات موسى عليه
السلام. فقد منحه الله تسع آياتٍ بيّنات، ومنها العصا التي تحولت إلى حيّة، واليد
التي خرجت بيضاء للناظرين، وغير ذلك. وكانت هذه المعجزات برهانًا على أن الله هو
القادر المطلق، وأنه لا تحدّه السنن ولا يقيده شيء، وأنه هو وحده ربّ التدبير.
موسى عليه السلام كان آيةً من آيات قدرة الله، لأنه عاش في قصر فرعون وكان
بمقدوره أن يطلب الملك والسلطان، لكنه أبى ذلك. أدرك أن فرعون كان يطلب من الناس
أن يعبدوه من دون الله، وهذا باطل وزيف. فاختار موسى وأخوه هارون أن يبلّغا دعوة
الحق، وأن يوجها الناس لعبادة الله وحده.
وقد ورد في سورة الأعراف أنّ موسى طلب من ربه أن يراه، فلما تجلّى ربه
للجبل جعله دكًّا وخرَّ موسى صعقًا. فلما أفاق قال: ﴿سبحانك تبتُ إليك وأنا أول
المؤمنين﴾. أي أنه أول من سلَّم وانقاد، ودعا قومه إلى الإيمان. فكان هدفه أن
يهديهم إلى أن يكونوا من المؤمنين، الذين يرثون الفردوس الأعلى، لا أن يرثوا ملك
فرعون وزخارف الدنيا.
فبنو إسرائيل الذين اتبعوا طريق موسى عليه السلام لا بد أن يكون مقصدهم هو
طلب ثواب الفردوس، لا السعي وراء سلطان الدنيا أو جاهها الزائل. وهذه كانت هدايةً
لهم، ليذكروا نعم الله عليهم. وأما نحن فعلينا أن نسأل الله أن يهدينا، وأن يجعلنا
من طلاب الجنة ـ جنة الفردوس ـ ونعيمها.
ثالثًا: صفة البرّ والفضل والإحسان
ربنا سبحانه هو الكامل في برّه وفضله وجوده، ومن آثار هذه الصفة أن يظهر في
الناس خُلق الإحسان والصلاح. وهذا ما تجلّى في أنبياء بني إسرائيل وأتباعهم. فمن
قصة يوسف عليه السلام في عفوه عن إخوته وإحسانه إليهم، ومن صبر أم موسى عليها
السلام وتوكّلها على ربها، ومن آل عمران وخاصة مريم عليها السلام التي اصطفاها
الله وجعلها سيدة نساء العالمين، فقد تحلّت بالعفّة والطهارة والعبادة. فهذه
النماذج تبيّن أن من سار على نهج الأنبياء من بني إسرائيل ـ رجالاً ونساءً ـ فإنه
يتزيّن بالإيمان والخُلق والإحسان.
رابعًا: صفة الحكم والملك والتشريع
ربنا سبحانه هو الملك، صاحب الأمر والنهي، مالك يوم الدين. وقد أظهر هذه
الصفة في بعض أنبيائه، فجعلهم خلفاء في الأرض. ومن ذلك ما نقرأه في سورة البقرة
أنّ الله آتى داود عليه السلام الملك، وفي سورة ص أنّ الله جعله خليفةً في الأرض،
وأمره أن يحكم بين الناس بالحق وألا يتبع الهوى. فهذه نعمة أنعم الله بها على بني
إسرائيل، ليقتدوا بداود في العدل والإنصاف وعدم الجور، وليستخدموا ما أعطاهم الله
من سلطان في نصرة الحق، لا في الظلم أو الانحراف.
خامسًا: صفة الإرادة المطلقة
ربنا سبحانه إرادته كاملة، لا تحدّها حدود ولا تعترضها اعتراضات. وقد ظهر
أثر هذه الصفة في قصة سليمان عليه السلام، حيث آتاه الله من فضله علمًا وحكمة،
وسخّر له الريح تجري بأمره غدوّها شهر ورواحها شهر، وأسال له عين القطر (النحاس
المذاب)، وسخّر له الجن يعملون بين يديه. وقد ورد في سورة ص (الآية 12) أنّ ذلك
كله كان "بإذن الله".
فالجن والإنس لهم إرادة واختيار، لكن إرادة الله إذا شاءت شيئًا فلا رادّ
لها. فسخَّر الله الجن لسليمان، وألهم ملكة سبأ أن تهتدي وتُسلم لله رب العالمين.
فكان ذلك آية على أنّ إرادة الله فوق كل إرادة، وأنه يختار من يشاء من عباده
للنبوة والرسالة.
فمن حكمة الله أن جعل محمّدًا ﷺ النبي الخاتم، من العرب الأميين، رغم
اعتراض من اعترض من الأمم الأخرى. فلو اعترضوا على ذلك ورفضوا اتباعه، فإنهم لا
ينالون خير الدنيا ولا الآخرة. لأنّ إرادة الله في اصطفاء من يشاء لا تُردّ ولا
تُعقّب، وهي الكاملة الحكيمة التي تضمن للإنسان طريق الهداية.
سادسًا: صفة الكلام والوحي
إنّ ربَّنا سبحانه متكلّم، يوحي إلى مخلوقاته بما به تقوم حياتهم. ففي
سورة النحل ورد أن الله أوحى إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا، ثم تأكل من
الثمرات وتخرج من بطونها شرابًا فيه شفاء للناس. فإذا كان الوحي يصل إلى النحل،
فكيف بالإنسان الذي هو أشرف المخلوقات؟
لقد كلّم الله الناس بالوحي، وأنزل عليهم الكتب بواسطة الملائكة. وكان
لبني إسرائيل ثلاث كتب منزَّلة: التوراة، والزبور، والإنجيل.
- في التوراة: وردت الأحكام الشرعية العظمى، وما يجب على الناس من
عبادة الله، وشرائع عظيمة.
- في الإنجيل: جاء تفصيل ما يخص الجانب الروحي، وبيان رسالـة عيسى عليه
السلام، ولذلك اشتمل على بواطن وأسرار.
- أما الزبور: فقد اختص الله به داود عليه السلام، وأعطاه حسن البيان
ورهافة الأسلوب، ليعبّر بالرمز والأمثال، ويفهم من خلالها الحقائق الغيبية كما
يفهم الحقائق المادية.
فاجتماع هذه الكتب الثلاثة يدل على أن الله أنزل فيها: نصوصًا صريحة واضحة
(محكمات)، وأخرى باطنة تحتاج إلى تدبر وتأمل (متشابهات)، وأمثالًا تُفهم بضرب
الأمثال والرموز. فمن قرأها حق التلاوة، ووفَّى حقَّها في الفهم والعمل، نال
الهداية ولم ينحرف. أما من انحرف عنها، فإما أن يتمسك بالظاهر ويترك الباطن، أو
يطلب الباطن ويهمل الظاهر، أو يُعرض عن الاثنين جميعًا. وهذا كله ضلال. لذلك لو أن
بني إسرائيل تدارسوا كتبهم بصدق، وأقاموا ما فيها، لاهتدوا إلى الصراط المستقيم،
ولما وقعوا في التحريف والانحراف.
سابعًا: صفة القداسة والحياة الأبدية
إنّ ربَّنا سبحانه هو القدوس، الحي القيوم، المنزه عن كل نقص أو حاجة. ومن
رحمته أنه منح البشر نصيبًا نسبيًّا من هذه الصفة، وهي الروح. وقد تجلى ذلك في
نعمة عظيمة لبني إسرائيل: بعيسى عليه السلام، الذي سمّاه الله "روحًا منه".
لقد حفظه الله تعالى من أن تميل نفسه إلى السوء، أو أن تتبع الهوى، فجعل
نفسه مطمئنة ساكنة بالإيمان، نقية من الذنب والمعصية. فصار مثالًا للروح
الطاهرة التي لا تشرك بالله، ولا تظلم، ولا تفسد.
فإذا تحلّى الإنسان بهذه الصفة ـ أي بسلامة العقيدة والعمل الصالح ـ صار
روحه مطمئنة، وصار قادرًا على أن يكون قائدًا في الأرض يدعو الناس إلى عبادة الله
وحده.
لكن بعض بني إسرائيل لم يسلكوا طريق عيسى عليه السلام، بل زعموا أن
الهداية محصورة في جماعتهم، وأن غيرهم من الأمم (الأمميين) ليسوا أهلاً للهداية.
وهنا وقعوا في العصبية والتمييز العنصري، ففرّقوا بين الناس، وجعلوا أنفسهم أرفع
من غيرهم. بينما عيسى عليه السلام كان يدعو جميع البشر إلى الحق، دون تفريق، وكان
رحمةً وهدايةً لكل من قَبِل دعوته.
وعند نزوله آخر الزمان، لن يقتصر على دعوة بني إسرائيل، بل سيكون تابعًا
لخاتم النبيين محمد ﷺ، ومرشدًا لكل من يريد الحق من البشر أجمعين.
النِّعَم السبع التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، لكنهم في النهاية
صاروا من الكافرين بالنعمة، لأنهم خدعوا أنفسهم ولم يلتزموا التزامًا صارمًا بطريق
الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله إليهم، فكانوا من الجاحدين، ولم يكونوا من
الشاكرين.
ونحن إذ نتعلّم من ذلك، فإننا نسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم في
هذه الجوانب السبعة، فقد أكرمنا الله بخاتم الأنبياء محمد ﷺ، وبالكتاب الذي فصَّل
لنا طريق الأنبياء والرسل جميعًا. فعلينا أن نتمسّك بالقرآن الكريم، وبما جاء عن
نبينا محمد ﷺ من قولٍ وفعل، لنسلك الصراط المستقيم، فنكون من الحامدين الشاكرين،
لا من الكافرين الجاحدين.
هذا ما أردتُ أن أشارككم به اليوم، فإن كان فيه خطأ أو زلل أو قصور في
البيان، فأستغفر الله وأسأله العفو، وأرجو من الإخوة والأخوات المسامحة.
تعليقات
إرسال تعليق