(30) سورة البقرة - التوبة في ميزان القرآن: من الزلة إلى الطهارة الروحية
المقدمة: الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وابتلاه بالاختيار ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من المدّعي، والصابر من الجازع. والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، الذي جاءنا برسالة الهداية والرحمة، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. إن الإنسان بطبيعته ضعيف، معرض للخطأ والزلل، يتقلّب بين الطاعة والمعصية، وبين القرب والبعد عن الله تعالى. لكن من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده أنه لم يغلق أمامهم باب العودة إليه، بل فتح لهم باب التوبة على مصراعيه، وجعله بابًا دائمًا لا يُغلق إلا عند انقضاء الأجل أو قيام الساعة. فالتوبة ليست مجرد لفظٍ يقال أو شعورٍ بالندم العابِر، بل هي تحوّل داخلي شامل، وانتقال من حال الغفلة إلى حال اليقظة، ومن ظلمة الذنب إلى نور الرجوع إلى الله. ولأن التوبة من أعظم المقامات الروحية التي يسلكها المؤمن في طريقه إلى ربه، فقد تكررت معانيها وقصصها في القرآن الكريم، لا لمجرد السرد، بل للعبرة والتربية والتزكية. فنجد أن الله تعالى عرض علينا نماذج مختلفة للتوبة، شملت أنبياء وأممًا وصحابة، لكلٍ قصته وظروفه، ولكن العبرة واحدة: أن باب الرجوع إلى الله مفتوح، وأ...