(13) سورة البقره -الناس والحجارة: سرّ وقود النار في ضوء القرآن والسنة"


المقدمة:

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وفضّله على كثيرٍ من خلقه، وأنزل الكتب، وبعث الرسل، وبيّن للعباد طريق الخير وطريق الشر، وجعل لكل مصيرًا معلومًا. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،
فقد أخبرنا الله تعالى في مواضع متعددة من كتابه الكريم عن النار التي أُعدت للكافرين، وبيّن سبحانه أن وقودها هو الناس والحجارة، فكان هذا التعبير الرباني مثيرًا للتدبر والتأمل: لماذا الناس؟ ولماذا الحجارة؟ وهل في هذا التشبيه حكمة ومغزى أبعد من الظاهر؟

إن هذا الدرس يتناول – بتوفيق الله – تفسير هذه الآيات العظيمة وما حملته من أسرار باطنية ومعانٍ تربوية تهدف إلى إيقاظ الإيمان، وبعث الخوف من الله، والدعوة إلى شكر النعم، والتمسك بالحق والابتعاد عن الهوى والرياء. كما سنعرض كيف أن الإنسان إذا أُعرض عن ربه، واتبّع شهواته، ولم يُظهر الإيمان في سلوكه وأقواله، تحوّل هو نفسه إلى وقود للنار والعياذ بالله.

فنسأل الله أن يجعل هذا المجلس من المجالس المباركة التي يُذكر فيها اسمه، وتُنير القلوب، وتُصلح الأحوال، وأن يجعلنا جميعًا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة إلى الإخوة والأخوات في المجموعة، نحمد الله العلي العظيم، ونصلي ونسلم تسليمًا كثيرًا على نبينا الخاتم محمد ﷺ، ونسأل الله أن يرضى عن جميع الصحابة.

نبدأ أولًا بقراءة الآيات التي ذكر فيها الله تعالى في القرآن الكريم أن النار وقودها الناس والحجارة:

في الآية 24 من سورة البقرة، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين﴾ [البقرة:24]

وفي الآية 6 من سورة التحريم، يقول ربنا جل جلاله:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾ [التحريم:6]

ثم في الآية 98 من سورة الأنبياء، يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى:
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، أَنتُمْ لَهَا وَارِدُون﴾ [الأنبياء:98]

وفي الآية 15 من سورة الجن، يخبرنا ربنا عز وجل:
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن:15]

وفيما يتعلق بـ"حجارة جهنم"، ورد في صحيح مسلم حديث يوضّح ذلك، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال:
"
سمعنا صوتًا لشيء ثقيل يسقط، فقلنا: ما هذا الصوت؟ فقال رسول الله ﷺ:
هذا حجر أُلقِيَ من أعلى جهنم منذ سبعين سنة، وها هو الآن قد بلغ قعرها."

وقد وصف العلماء حجارة النار بأنها كبريت أصفر شديد الحرارة، كريه الرائحة، صلب وقاسٍ،
وإذا أُشعل هذا الحجر فإنه يصبح من شدة حرارته لا يُحتمل أبدًا.

ونعلم جميعًا أن كل من يُشرك بالله سيكون من أهل النار،

ففي يوم الحساب، وعند المرور على الصراط، كل من كان مشركًا لا يمكنه العبور،

حتى ولو نطق بالإيمان بلسانه، كحال المنافقين، فإنهم يسقطون إلى أسفل.

بل وحتى من لم يكن من المنافقين، وكان مؤمنًا بأن الإيمان حق، وأن دين الله هو الدين الحق،
لكنه لم يُتْقِن أعماله، أو لم يعمل بها بشكل كامل — فإن هذا أيضًا معرض للعذاب.

ففي الحديث النبوي، ورد أن امرأة كانت تصلي، لكنها حبست قطة، لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض،

فكان هذا الفعل سببًا في دخولها النار — إذ أنها لم تكن محسنة، ولم تعمل الخير.

ولذلك، يجب علينا أن نتأمل في أحد وقود النار: الإنسان.

فالآيات تبين أن المتقين، والمحسنين، والمتوكلين، كلهم لهم الجنة دارًا ومآبًا،

وهم في حقيقتهم من الشاكرين.

لكن السؤال: من يشكرون؟
إنهم يشكرون الخالق، الرازق، المنعم على نعمه، ويشهدون أنه وحده هو المستحق للعبادة،

ويعبدونه بلا شريك، ويشكرونه على ما أنعم عليهم به من خير في الدنيا والآخرة.

أما من لم يتصف بهذه الصفات، فمصيره إلى النار.

فلننظر إذًا: ما الذي أنعم الله به علينا؟

وفي أي الجوانب يجب أن نُظهر الشكر؟

نبدأ أولًا بقراءة أن الرضّع والأطفال غير المُكلّفين لا يُحاسبون، فإذا ماتوا فإنهم يُبعثون إلى الجنة مباشرة،

لأن الإنسان يمتلك فطرة، وهذه الفطرة هي نعمة من رحمات الله العامة التي منحها لجميع البشر.

وفي أرواحنا ميثاق فطري بيننا وبين الله، نشهد فيه بأنه الخالق، المدبر، المستحق للعبادة، لا شريك له.

ولذلك، فإن جميع الرضّع والأطفال غير المُكلّفين، عند موتهم، تكون أرواحهم في حالة انفصال عن الجسد، ويُصدرون الشهادة،

فتكون الجنة هي مآلهم، ولا يكونون من وقود النار.

أما كل من كان مُكلّفًا، فعليه حساب، ومصيره يكون إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

فنبدأ الآن بالسؤال: ما الذي منحه الله للإنسان حتى يجب عليه أن يكون من الشاكرين المتقين الذين يتقون النار؟

إن الله تعالى وهب الإنسان العقل، والأخلاق، والقدرة، والتي تُترجم إلى سلوك وأعمال.

نبدأ بتحليل مثال أول إنسان، وهو آدم (عليه السلام)، فقد خلقه الله، وأمر الملائكة أن يسجدوا له، وهذا كان علامة على شرفه.

وقد منحه الله العلم، فعلّمه أسماء كل شيء،

وهذا العلم الذي لم يكن حتى الملائكة يعلمونه، هو دليل على أن عقله جميلٌ ومُكرَّم، وقد عَلَّمه الله تعالى ذلك مباشرة.

فيا له من فضل عظيم أن يُمنح الإنسان هذا النوع من المعرفة!

لقد منح الله الإنسان القدرة، والجهاز العصبي، والتفكير، والعقل وهي نعم عظيمة وجميلة.

والله قادر أن يُعلّمنا إدراك عالم الخلق دون حاجة إلى وسائط.

ومن خلال مثال آدم (عليه السلام)، نُدرك أيضًا أن الإنسان يمكنه تلقي الوحي،

فالملائكة تُبلّغ الإنسان الرسالة، وهو يفهمها فورًا،

فما أعظم نعمة العقل والجهاز العصبي والدماغ التي منحنا الله إياها، والتي يجب استخدامها في التفكر والتدبر.

ولا يجوز للإنسان أن ينشغل فقط بالسعي وراء منافع العالم المخلوق دون أن يعرف خالقه.

فمن عرف الخلق ولم يعرف الخالق، ولم يُصدر الشهادة، فهو من الخاسرين.

هناك من الناس من يستخدم عقله في فعل الشر، وفي التخطيط لإيذاء الآخرين، دون أن يفعل الخير.

فهل ترى أن هذا العقل وهذا الجهاز العصبي ليسا من وقود جهنم؟
إنه عقل لا حجة له، ولا عذر له.

هل يستطيع أن يحتج بأنه لم يتلقَّ وحيًا مباشرًا من الله ليُدرك عالم الخلق؟
ألم يُرسل الله إليه رسلًا وأنبياء؟
بل وترك الأنبياء كتبًا، وحتى لو حرّف بعض الناس الكتب حسب أهوائهم،

فقد أنزل الله في النهاية الكتاب المحفوظ الأخير القرآن الكريم

الذي يستطيع كل إنسان أن يتدبره ويتفكر فيه، مهما كانت خلفيته.

والله لم يترك الإنسان دون تذكير،
ففي البشرية دوماً يوجد من يدعو إلى الإيمان بالله، ويدعو الناس إلى معرفته.

فإن لم يهدأ عقله ولم يتأمل ويفكر،
فإنه في النهاية سيكشف عن صفات الوقود للنار.

ثانيًا: نقرأ عن الجمال في صفات الإنسان، في أخلاقه وفضائله.

الإنسان يمتلك الإيمان، والرحمة، والخلق وهي صفات نبيلة وهبها الله لنا.

نعود إلى مثال آدم (عليه السلام).
الله تعالى يعلم أن هذه الصفات ستظهر في الإنسان.

فحين حرّمه الله من الاقتراب من الشجرة، ووسوس له الشيطان، ودفعتْه نفسه إلى الاقتراب منها

إلا أنه أسرع إلى التوبة بإخلاص، واعترف بذنبه أمام الله، فدلّ ذلك على أنه صاحب خُلُق.

لو لم يكن ذا خُلُق، لترك نفسه للهوى دون ندم.

بل إنه تاب، وأظهر الحياء من الله، ثم هو وزوجته تحملا المشقة،
ونزلوا إلى الأرض، وأنجبوا ذرية كثيرة.

وكانوا يحرصون على الإيمان، لأنهم أول البشر، والله قد علّمهم كثيرًا من العلوم الجميلة،
ليس فقط من أجل السعي وراء النِّعَم، بل من أجل أن يعرفوا الله ويعبدوه.

ولذلك، حفظوا الإيمان، وكان آدم (عليه السلام) أول نبي ورسول، ينقل رسالة الإيمان إلى ذريته،
ويُذكّرهم: أن طلب النعمة لا يجب أن يُنسينا التوحيد والعبادة.
فكانوا أهل إيمان.

ثم ننتقل إلى نبي آخر وصفه الله بـ"الصابر" — وهو أيوب (عليه السلام).
رغم كل ما ألحقه به الشيطان من أذى وحسد وبلاء،

إلا أنه تمسّك بإيمانه، واعتمد على ربه.

ثم يوسف (عليه السلام)، كيف حافظ على إيمانه،

ولم يخضع لإغواء نساء أصحاب النفوذ، فكان من المتقين.

من خلال ما سبق، نعلم أن الله خلق فينا الشهوة للطعام، والشهوة الجنسية، والاهتمامات النفسية والروحية.
وهذه الرغبات والاهتمامات تطلب الإشباع، والذات البشرية تسعى لإبراز نفسها.
لكن من أراد أن يكبح جماح هذه الشهوات، فعليه أن يتحلى بالصبر.

والبشرية كلها تدعو إلى "الصبر" و"التحمّل".

لكن السؤال: الصبر من أجل من؟
الصبر له معيار.

فمن الناس من يصبر ليحقق مكانة اجتماعية، أو لينال سلطة أو شهرة، فيُظهر صفات أخلاقية جميلة أمام الناس.

لكن الصفة الأخلاقية الأسمى التي يحصل عليها الإنسان، هي أن يصبر لأجل الله.

فالله هو الذي أعطانا معيار الحلال والحرام، ومعيار الحق والباطل، ومعيار الخير والشر.

ولكي نتمسك بالحلال، علينا بالصبر، وعلينا أن نضبط شهوتَي الطعام والجنس.

ولكي نطلب الحق ونتجنب الباطل، نحتاج إلى صبر.

والحق الذي أنزله الله ليس فقط من أجل السعي وراء النعم وكشف الأسرار، بل لكي نعبد الله ونعرفه ونتقرب إليه وهذا كله يتطلب صبرًا.

ولا يجوز أن نتبع اهتماماتنا النفسية لمتعة وقتية.

كذلك، ينبغي أن يكون لدينا معيار واضح للخير والشر، وهذا يظهر في الرحمة والأخلاق.

فمثلًا:
الخير الذي يُظهره الإنسان من خلال إيمانه يتجلّى في تذكّر الله، وفعل الخير، وبهذا يتمسك بالإيمان.

أما إذا لم يلتزم الإنسان بمعايير الحلال والحرام، وصار يتبع هواه، يأكل ما يشاء، وينام مع من يشاء،
وجعل معيار الإشباع الجنسي والغذائي متروكًا لرغباته لا لحكم الله
فإن الأجزاء الجسدية التي استُخدمت لتلبية هذه الشهوات، مثل الذوق واللمس،
تصبح من وقود جهنم.

ثم نأتي إلى جانب آخر من الإنسان، وهو الهَوَى أي الميول النفسية والاهتمامات العقلية والروحية،

مثل التنفس من الرئة، والتعبير بالكلام.

فبعض الناس يستخدمون الغناء، لكن ما الذي يغنّون به؟
أغانٍ تُحرّض على المعاصي، كلمات في ألسنتهم تُضل الناس، أكاذيب،
كل كلامٍ يُقال باتّباع الهوى، بعيد عن الخير.

فهذا "الهَوَى" الذي يتجلّى في النفس ويُترجم بالكلام أو الهيبة أو الشهرة،
إذا استُعمل في الظلم، ورفض العدل، ولم ينطق بالحق،

بل واستخدم صاحبه سلطته وشهرته لمعارضة الحق
فكل ما يخرج من فمه وكل نفس يتردد في رئته، لا يحمل خيرًا.

وبالتالي، فإن الأعضاء التي نطقت وتنفست بغير الخير، وكانت خاضعة لهوى النفس، تُصبح من وقود النار.

أما عن الذات البشرية، فإن الله منحنا "النَّفْس" — وهذه النفس تُحب أن تُظهر ذاتها،

فتسعى لأن يكون لها مظهر.

ومن مظاهر العناية بالمظهر: تهذيب الشعر، تقليم الأظافر، تنظيم الهيئة.

لكن بعض الناس يعتنون بمظهرهم بدافع الرياء، كمن يذهب إلى افتتاح مناسبة ويُظهر نفسه على أنه "صاحب خير"، لكنّه في الحقيقة لا يحمل إيمانًا — فهذا مرائي، لا مؤمن.

وبعض النساء تتزيّن وتُجمل نفسها، ولكن لا لزوجها أو من يحق له شرعًا أن يرى زينتها،

بل تُظهر زينتها للجميع دون ضوابط، ترسُم حاجبيها، وتُجمّل وجهها لمن هبّ ودبّ

فهذه لا تؤمن بأن الله سيُحاسب في الآخرة.

وفي مثل هذه الحالة، فإن جمالها الخارجي دون إيمان، يجعل هذا الجمال نفسه وقودًا للنار.

فأي شخص يُظهر مظهرًا جماليًا على وجهه، يديه، أو جسده، ويكون ذلك عن رياء ودون إيمان،

فكل ما زيّنه من جسده، سيكون جزءًا من وقود جهنم.

الآن نقرأ عن السلوك الحسن لدى الإنسان،

فأفعال الإنسان هي أقوى ما يمتلكه.

فكيف نفهم ذلك؟

لقد مُنح الإنسان القدرة على الوجود في هذا العالم المشهود،

ومن خلال نعم الله التي أُعطيت له، يستطيع الإنسان ترويض الحيوانات، والاستفادة منها،

كما يستطيع الانتفاع بالنباتات لتكون مصدر خير للبشرية.

بل ويمكنه تسخير عناصر الطبيعة من الرياح، والنار، والماء، والتراب رغم كونها جمادات — لتخدم مصالح الإنسان.

وقد بلغ الإنسان من التمكين أنه تمكن من تسخير الجن،

وأشهر مثال على ذلك هو قصة سليمان (عليه السلام)، فهي أبرز دليل على هذا التسخير.

بل وحتى الملائكة، قد نزلوا إلى الأرض من أجل الإنسان،

فقد أنزلوا الكتب السماوية، وشاركوا في القتال بجانب المؤمنين في سبيل الله.

ومن ذلك معركة بدر، حيث نزلت الملائكة لنصرة نبينا محمد ﷺ وأصحابه،

وهذه القصص يمكننا أن نقرأها في كتب الوحي.

لكن السؤال: لماذا هذا الفعل الإنساني بهذه الدرجة من الشرف؟

ولماذا تظهر من خلاله صفات عالية وراقية؟

لأن الإنسان عندما يكون من المتقين، والمتوكلين، والمحسنين، يكون الله معه، ويُعينه ويؤيده.

فكيف نحصل على هذا التأييد من الله؟ وكيف نُظهر هذا السلوك الأسمى؟

إن ربنا يُعلّمنا من خلال رسله أن نتقرب إليه بأداء الفرائض (العبادات الواجبة)،

وأن نطلب رضاه وحبَّه من خلال النوافل (الأعمال المستحبة).

فإذا قبِل الله من عبده هذه الطاعات والأعمال الصالحة،

فإنه يكون — كما ورد في الحديث القدسي —:

يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وسمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به.

فتخيّل كم يكون سلوك هذا الإنسان جميلاً ورفيعًا، إذا كانت أفعاله وأعضاؤه مدعومة بتوفيق الله!

وهذا السلوك الراقي ليس خاصًا بالأنبياء والرسل فقط،

بل هو متاح لكل إنسان، لأن الله منح كل شخص هذه الفرصة: أن يسعى ليكون من أوليائه.

نتقرب إلى الله بالفرائض، ونسعى إلى محبته ورضاه من خلال النوافل،
فمن هذا الباب، تُفتح أبواب الولاية، ويصبح الإنسان قريبًا من الله.

ومن مظاهر هذه القربى: الصلاة، الصيام، الزكاة، والحج.

فالصلاة، يجب أن تُؤدى قيامًا، خاصة في الفرائض وصلاة الليل،
لكن إن عجز الإنسان لمرض أو كِبَر، فله أن يُصلي جالسًا، بل حتى بالإيماء ،

وبذلك يكون قد أشرك عظامه ومفاصله في عبادة الله،
فأصبحت أفعاله وسكناته من أجمل الأعمال.

والصيام، فيه صبر على الجوع والعطش، وفيه كبح جماح النفس،
وفيه إغلاق لأبواب الشهوات، ورفع للروح.

والزكاة، هي سعي في الأرض، وتعب من أجل كسب الرزق،
يجري فيها الدم في العروق، وتتحرك فيها الأعضاء، من أجل العطاء،

وكل ذلك طلبًا لرضا الله.

وأما الحج سواء كان فرضًا أو نافلة — فهو عبادة تجمع بين المال والبدن،

وفيه تتحرك الأرجل، ويضخّ القلب الدم، وتبذل الجوارح الجهد.

وأما المجاهدون في سبيل الله، فهم الذين يقاتلون لنصرة المستضعفين،
ليوفّروا للنساء والأطفال وكبار السن بيئة آمنة لعبادة الله،

هؤلاء الذين كأنهم جدران فولاذية في الدفاع عن الحق،
يسكبون دماءهم من أجل إعلاء كلمة الله — فهؤلاء هم بلا شك أهل الجنة.

أما أولئك الذين تعمل أبدانهم، وتتحرك قلوبهم، وتنبض شرايينهم،
لكن لا يوجد فيهم شيء من ذكر الله
فما هم إلا وقود لجهنم، ولا يُمكن أن يكونوا شيئًا آخر.

ثم ننتقل إلى الحجارة، وهي كذلك من وقود النار.

ولكي نفهم ذلك، يجب أن نستعين بما ذكره ربنا في سورة البقرة — الآية 74
حيث ضرب الله مثلاً لقلوب بعض أهل الكتاب بالحجارة، بعد أن خالفوا شريعة موسى عليه السلام.

قال تعالى:
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:74]

أي أن قلوبهم أصبحت قاسية كالحجارة، بل أشد منها.

أما الحجارة نفسها، ففيها ما يُخرج الأنهار، ومنها ما يتفجّر منه الماء، ومنها ما يسقط من خشية الله
فإذا كانت القلوب أشد قسوة من الحجارة، فبأي شيء تُقاس؟

فالحجارة باردة وصلبة،
وكذلك الإنسان إذا امتلأ قلبه بالشهوات والأهواء، يصبح قاسيًا، جافًا، باردًا.

والإنسان مخلوق من التراب، وجسمه يحتوي على معادن
لذلك، تشبيه الإنسان بالحجر دقيق جدًا من الناحية المادية والروحية.

لكن ما معنى أن يكون قلب الإنسان أقسى من الحجارة؟

هذا يكون عندما ينال الإنسان نعم الله، ويحصل على الكتب السماوية،
فبدلاً من أن يكون من المتقين، يصبح متكبرًا متعاليًا،

يظن أنه لمجرد امتلاكه الكتاب أصبح من الأشراف،
وأن الآخرين دونَه.

فإذا صار الإنسان يفتخر بنفسه، ولا يتواضع،
فإن قلبه يصبح باردًا قاسيًا كالحجارة.

وإذا امتلك الحق ولم ينصره، بل استغلّه لمصالحه، وحرّف تفسيره
فهذا قلب كريه، متحجّر، عفن.

وإذا علم الإنسان بالحق، ثم عارضه، واتهمه بالباطل
فهذا القلب حينئذ أقسى من الحجارة.

ومع مثل هذه القلوب، لا عجب أن تكون الحجارة نفسها من وقود النار.

وفي الختام، نسأل الله أن يهدينا في عقولنا، وأخلاقنا، وأعمالنا، وأن يجعلنا من المتقين، الصالحين، المتوكلين عليه، ونسأله سبحانه أن يحمينا من عذاب النار، ويجعلنا من أهل الجنة.

هذا ما أردنا مشاركته اليوم، فإن كان هناك خطأ في الألفاظ أو غموض في التعبير، فنسأل الله العلي العظيم المغفرة، ونرجو من الإخوة والأخوات العذر. جزاكم الله خيرًا  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلتي من الصين الى الاسلام

دروس سورة الفاتحه (1) الاستعاذة بالله – درع المؤمن ضد الوسوسة والانحراف

دروس سورة الفاتحه (4) "رَبِّ الْعَالَمِينَ" — سر العوالم وشهادة الخلق بوحدانية الله