(1) سورة البقرة وآل عمران: نوران في الدنيا والآخرة"


مقدمه :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في هذا اللقاء المبارك، نغوص معًا في أنوار سورتين عظيمتين من كتاب الله  سورة البقرة وسورة آل عمران فهاتان السورتان لم يُطلق عليهما "الزهراوان" عبثًا، بل لأن فيهما من الهداية والنور ما يشفع لقارئهما يوم القيامة، كما ورد في الأحاديث الصحيحة عن نبينا محمد ﷺ.

في هذا الدرس، نتأمل لماذا جمع النبي ﷺ بين هاتين السورتين تحديدًا، وما وجه النور والبركة في كل منهما. نكتشف كيف ترشدنا سورة البقرة إلى فهم الأحكام الإلهية والتمسك بالشريعة دون تحريف، بينما تفتح لنا سورة آل عمران بابًا واسعًا للفهم الصحيح للإيمان بالغيب، والتحذير من الانحرافات في فهم العقيدة.

تابعوا معنا هذا البيان الماتع، لنستنير بنور القرآن، وننهل من معين الزهراوين ما يقوي إيماننا، ويرسخ فهمنا، ويقربنا من الله عز وجل.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته

  

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته   

إخوتي وأخواتي الأعزاء، نحمد الله سبحانه وتعالى ونثني عليه، ونصلي ونسلم على نبينا الخاتم محمد ﷺ، ونسأل الله أن يرضى عن جميع الصحابة الكرام   

 موضوع اليوم: سورة البقرة وآل عمران هما نوران مباركان   

هاتان السورتان  هما نوران مباركان ، وقبل أن نتعمق في فهم هذه الحقيقة،  يجب أن ندرس مكانتهما وفضلهما   

 لماذا تُعتبر هاتان السورتان نورين مباركين؟   

 التركيز هنا على  السبب في الجمع بين هاتين السورتين تحديدًا ، ولماذا لم يتم اختيار سورة أخرى إلى جانب إحداهما لتُعتبر نورًا ثانيًا؟ 

 حديث نبوي عن فضل هاتين السورتين

ورد في **صحيح مسلم ومسند أحمد** أن النبي ﷺ قال :

 اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجّان عن أصحابهما .   

وفي حديث آخر قال ﷺ   

 "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة (أي السحرة)"

رواية أخرى عن فضل سورتي البقرة وآل عمران

ورد في صحيح مسلم وسنن الترمذي أن الصحابي نواس بن سمعان (رضي الله عنه) روى عن النبي ﷺ قوله:

"يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورتي البقرة وآل عمران".

ثم ضرب النبي ﷺ ثلاثة أمثلة لهذه السورتين، وقال:

"كأنهما غمامتان، أو غيايتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجّان عن صاحبهما".

تفسير معنى "نورين مباركين"

فسّر العلماء هاتين السورتين بأنهما نور يجلب الهداية، وكلمة "غياية" تشير إلى ما يظلّل الإنسان ويمنحه الحماية.

أما كلمة "يدافع" في اللغة العربية، فهي تعني الحماية والدفاع، مما يدل على أن هاتين السورتين تشفعان وتدافعان عن من كان يقرؤهما يوم القيامة.

تحليل سبب تسميتهما "نورين مباركين"

الآن، سنقوم بتحليل لماذا هاتان السورتان بالذات تسمّيان بالنورين المباركين، ولماذا تجلبان الهداية.

أولًا: سبب تسمية "سورة البقرة" بهذا الاسم

سُميت هذه السورة بسورة البقرة لأنها تتحدث عن قصة النبي موسى (عليه السلام) مع بني إسرائيل، والتي تضمنت حادثة ذبح البقرة، ولذلك سُمّيت السورة بهذا الاسم.

ثانيًا: سبب تسمية "سورة آل عمران" بهذا الاسم

سُميت سورة آل عمران بهذا الاسم لأنها تتحدث عن قصة عائلة عمران، وتوضح كيف باركهم الله ورزقهم الخيرات.

ثالثًا: العلاقة بين هاتين السورتين

  • سورة البقرة تتحدث عن النبي موسى (عليه السلام).
  • سورة آل عمران تتحدث عن النبي عيسى (عليه السلام).

وهذان النبيان هما من أنبياء بني إسرائيل الذين أنزل الله عليهم الكتب السماوية:

1.   التوراة، التي نزلت على النبي موسى (عليه السلام).

2.   الإنجيل، الذي نزل على النبي عيسى (عليه السلام).

وهاتان السورتان تقدمان تعاليم هامة مستمدة من هاتين الرسالتين السماويتين، وتوجهان الإنسان إلى الهداية الحقيقية التي ختمها الله بإنزال القرآن الكريم.

أُطلق على الكتاب الذي أنزل على النبي موسى (عليه السلام) اسم "اللوح"، وذلك لأنه احتوى على تعاليم الشريعة والأحكام التشريعية، خاصة فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات.

قصة البقرة في الشريعة الموسوية

ومن أهم القصص التي وردت في سورة البقرة هي قصة قتل رجل غني من بني إسرائيل، الذي كان على وشك أن يورث أمواله لأبناء إخوته.

  • لكن هؤلاء الورثة لم يصبروا حتى وفاته، فقاموا بقتله عمدًا للحصول على الميراث بسرعة.
  • بعد قتلهم لعمهم، أرادوا التملص من الجريمة، فألقوا التهمة على شخص بريء.
  • نظرًا لأن النبي موسى (عليه السلام) كان رسولًا من الله، فقد أوحى الله إليه بأن يأمر بني إسرائيل بذبح بقرة.

بعد عدة استفسارات وتساؤلات من بني إسرائيل، قاموا أخيرًا بذبح البقرة، ثم أخذوا جزءًا منها وضربوا به جسد الميت، فأحياه الله وشهد على قاتليه، مما كشف الحقيقة وأظهر العدل.

وهكذا، أظهر الله لموسى عليه السلام حكمته في التشريع، وضرورة الالتزام بالقوانين الإلهية.

العقوبة العادلة في الشريعة

  • لم يقتصر الأمر فقط على كشف القتلة، بل تم حرمانهم من الميراث، وتمت معاقبتهم بالقصاص العادل.
  • هذا يؤكد أن الشريعة الموسوية كانت تقوم على الأحكام والحدود الإلهية، وكان موسى (عليه السلام) مكلفًا بتطبيقها وتنفيذها.

تحريف اليهود للشريعة بعد وفاة موسى عليه السلام

بعد وفاة النبي موسى (عليه السلام)، بدأ اليهود يبتعدون عن تعاليمه، واستسلموا لأهوائهم وشهواتهم.

  • مع مرور الزمن، بدأ علماء بني إسرائيل يفسرون الشريعة وفقًا لمصالحهم الشخصية والجماعية.
  • هؤلاء العلماء، رغم إلمامهم بالكتاب السماوي، إلا أنهم حرفوا الأحكام لأجل منافعهم.
  • أصبحت التفسيرات مبنية على المصالح، بدلًا من الالتزام بالنصوص الأصلية، وتم تعديل القوانين لتناسب رغباتهم.

النتيجة: إهمال الشريعة الأصلية

بسبب هذا التحريف، لم يعد الكتاب الذي أُنزل على موسى عليه السلام يحوي الأحكام الإلهية الصحيحة، فأصبح غير صالح للهداية، ولهذا أهمله الله سبحانه وتعالى ولم يعد كتابًا معتمدًا للتشريع.

وهكذا، فإن سورة البقرة توضح أهمية الشريعة، والتحذير من تغيير أحكام الله وفقًا للأهواء، مما أدى إلى ضلال بني إسرائيل وانحرافهم عن الطريق الصحيح.

في القرآن الكريم، وردت قصة البقرة في سورة البقرة بهدف بيان الحقيقة وإقامة العدل. وقد استنبط العلماء أن الله سبحانه وتعالى أوضح في هذه السورة ألف بيان، وألف أمر، وألف نهي، وهذه الأحكام لا يمكن تغييرها بأي شكل من الأشكال.

لأن الله سبحانه وتعالى تعهد بحفظ كتابه "القرآن الكريم"، فلا يمكن لأي شخص أن يبدل أو يغير فيه شيئًا.

إذا كان الإنسان يقرأ سورة البقرة ويلتزم بالأوامر والأحكام والتشريعات التي وردت فيها، فإنه:

  • يُمنح النور والهداية.
  • تحيط به البركة، حيث تجلب له هذه السورة الضياء والرحمة في الدنيا والآخرة.

مكانة سورة البقرة في التشريع الإسلامي

سورة البقرة نزلت في المدينة المنورة، لذا فهي تتناول:

  • القوانين السياسية والاجتماعية والتشريعية.
  • الأنظمة القانونية والدستورية التي تحفظ العدالة في المجتمع.

فضل سورة البقرة في حياة الصحابة

ورد في "المستدرك على الصحيحين" أن الصحابي أبي بن كعب (رضي الله عنه) قال:

"عندما لاحظ النبي ﷺ بعض الفتور عند الصحابة، قال: (يا أهل البقرة)، ثم أمر العباس (رضي الله عنه) أن ينادي: (يا أهل الشجرة)".

  • يشير ذلك إلى أحداث غزوة حنين.
  • كما جاء في حروب الردة ضد مسيلمة الكذاب، أن بعض الصحابة تراجعوا للحظات، فكان المهاجرون والأنصار ينادون بعضهم البعض قائلين: (يا أصحاب البقرة).
  • بعد ذلك استعاد المسلمون قوتهم وانتصروا، وكانت هذه المعركة ضد مسيلمة الكذاب، الذي ادعى النبوة كذبًا.

لماذا أُطلق على الصحابة لقب "أصحاب البقرة"؟

  • لأنهم كانوا ملتزمين بكل ما أمرهم الله به في سورة البقرة.
  • كانوا يطبقون كل الأحكام والتشريعات الإسلامية دون تحريف أو تعديل.
  • كانوا صادقين في التزامهم بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

وبما أن مسيلمة كان كذابًا، فإن انتصار الصحابة عليه كان أمرًا حتميًا، لأنهم كانوا المدافعين عن الحق، بينما كان هو ومن معه من أهل الباطل.

تحذير من تحريف الأحكام الإلهية

  • لا يجوز للإنسان أن يطبق بعض الأحكام وفقًا لهواه، ويترك أخرى.
  • كما أن العلماء الذين يعرفون أحكام الدين لكن لا يطبقونها على أنفسهم، قد وقعوا في نفس خطأ بني إسرائيل.
  • اليهود الذين ورثوا جزءًا من التوراة حرفوا الأحكام الشرعية لخدمة مصالحهم، ولذلك فقدت التوراة نورها وأصبحت غير صالحة للهداية.

أما من يلتزم بسورة البقرة في الدنيا، فسيشهد النور في الآخرة، وستدافع عنه هذه السورة يوم القيامة.

التعرف على الإنجيل الذي أُوحي إلى النبي عيسى عليه السلام

كان آل عمران جميعهم من الزاهدين في الدنيا، ولهذا رحمهم الله بمنحهم بركات عظيمة في الدنيا، حيث مكنهم من رؤية أمور غيبية لا يراها عامة الناس.

الرؤى الغيبية التي رآها آل عمران في سورة آل عمران، نقرأ أن:

  • النبي زكريا (عليه السلام) رأى الملائكة وهي تبشره بمولد النبي يحيى (عليه السلام).
  • السيدة مريم (رضي الله عنها) تلقت البشارة بولادة النبي عيسى (عليه السلام) من جبريل (عليه السلام)، الذي ظهر لها في هيئة بشرية.

الإنجيل وارتباطه بالعالم الغيبي

لأن النبي عيسى (عليه السلام) وُصف بأنه "روح من الله"، فإن الإنجيل الذي أُوحي إليه يحتوي على العديد من الآيات التي تتحدث عن الأمور الغيبية.

وبسبب أن هذه الأمور لا يمكن للبشر العاديين رؤيتها إلا بعد البعث والحساب، فقد احتوى الإنجيل على العديد من الآيات المتشابهات التي تصف هذه العوالم الغيبية.

علاقة النبي عيسى عليه السلام وأتباعه بالزهد والعبادة

  • كان النبي عيسى (عليه السلام)، ووالدته مريم، والنبي يحيى (عليه السلام) جميعهم زاهدين في الدنيا، ولم يكن لأي منهم زواج أو ارتباط دنيوي.
  • بعدهم، تبع أتباعهم هذا المسلك وأسسوا نظام الرهبانية، حيث كانوا يتعبدون ويجتهدون في العبادة طلبًا للارتقاء الروحي.
  • كان هؤلاء الرهبان يدرسون الآيات المتشابهات في الإنجيل ويتأملون فيها، كما كانوا يقومون بالعبادات الخاصة التي يعتقدون أنها ترفع أرواحهم وتقربهم من رؤية العوالم الغيبية.

الروحانيات في الرهبانية

  • بعض هؤلاء العُبّاد كانوا يصلون إلى مستويات روحانية عالية تجعلهم يرون الملائكة.
  • كان بعضهم يختبر مشاهد روحانية من الجنة، وهي الأمور التي لا يمكن للبشر العاديين رؤيتها إلا بعد القيامة.

وهكذا، فإن النبي عيسى عليه السلام وأتباعه ركزوا على الجانب الروحي من العبادة، وسعوا لتحقيق المعرفة بالعالم الغيبي من خلال الزهد والتأمل والعبادة المستمرة.

ولكن معظم الناس يتبعون أهواءهم، ويسعون فقط إلى كشف أسرار العالم الغيبي، لأنهم يرون أن في ذلك بركات ومنافع مقدرة لهم.

وهكذا، ينشغل بعض الرهبان أكثر من اللازم في محاولة فهم الآيات المتشابهات، ويسعون إلى تأويلها بطرق رمزية تكشف لهم الأسرار الغيبية.

لأن الإنسان بطبيعته يحب معرفة ما هو مقدر له، ويريد الشعور بالاطمئنان بشأن مستقبله، فقد أدى هذا إلى ظهور بعض الانحرافات الفكرية بين بعض الرهبان.

  • أصبح البعض يهتم فقط بالآيات المتشابهات، متجاهلًا الآيات المحكمة.
  • بدأوا بتفسير الإنجيل بأكمله من منظور رمزي فقط، متجاهلين الأوامر والنواهي الواضحة التي فرضها الله.
  • وهكذا، انحرفوا عن الطريق الصحيح، وأصبحوا من الضالين.

كيف تحول هؤلاء إلى ضالين؟

  • كانوا في الأصل مؤمنين بعالم الغيب، لكنهم لم يجعلوا هذا الإيمان وسيلة للعبادة الخالصة.
  • بدلاً من ذلك، أرادوا كشف الأسرار الغيبية فقط من أجل تحقيق مكاسب دنيوية.
  • كان ينبغي عليهم الإيمان بالغيب ليزدادوا تقوى، ويعبدوا الله بصدق، ويسعوا إلى دخول الجنة ولقاء الله.
  • لكنهم انحرفوا عن هذا الهدف، وسعوا فقط إلى تحقيق مصالح دنيوية من خلال كشف الأسرار الغيبية.
  • وبهذا، رغم أنهم كانوا على طريق الحق، إلا أنهم انحرفوا عنه، وأصبحوا ضالين.

وهكذا، لم يستخدموا فهمهم للعالم الغيبي لزيادة إيمانهم وتقربهم إلى الله، بل سعوا فقط إلى تحقيق مكاسب دنيوية، فانحرفوا عن الصراط المستقيم.

خصوصًا الرهبان الذين جاؤوا بعد ذلك، فقد تخلّوا عن الآيات المحكمة وركزوا فقط على تأويل الآيات المتشابهات، مثل تفسيرهم للنبي عيسى (عليه السلام) ومفهوم الروح.

كان هؤلاء الرهبان منحرفين في فهمهم، وكان في قلوبهم مرض، حتى أنهم اخترعوا تفسيرًا باطلًا مثل عقيدة "الثالوث المقدس".

التفسير الصحيح لحقيقة النبي عيسى (عليه السلام)

  • النصوص المحكمة توضح أن النبي عيسى (عليه السلام) كان نبيًا ورسولًا مرسلًا من الله.
  • لذلك، يجب تفسير ما ورد عنه في سياق هذه الحقيقة الأساسية.
  • هو ابن مريم العذراء الطاهرة، وليس له أب.
  • هو رسول الله أرسله لهداية بني إسرائيل.

لماذا وصف الله عيسى (عليه السلام) بأنه "روح"؟

  • لأنه كان محفوظًا منذ ولادته من الانحرافات الأخلاقية.
  • لم يكن لديه ميل لأي شر أو معصية، بل كان يميل إلى الخير والحق فقط.
  • كان داعمًا للحق ونصيرًا له، ولم يسعَ وراء أي أهواء شخصية.
  • لهذا، وصفه الله بأنه "روح"، أي أنه تمتع بنقاء داخلي كامل.

من هم المخلوقات الأخرى التي وُصفت بالروح؟

1.   النبي آدم (عليه السلام):

o        خلقه الله من الطين ثم نفخ فيه من روحه، ليصبح إنسانًا كاملاً.

2.   الملك جبريل (عليه السلام):

o        يُطلق عليه "روح القدس" لأنه نقي ومقدس، ومكلّف بنقل الوحي.

3.   النبي عيسى (عليه السلام):

o        وُصف بأنه "روح من الله" لأنه كان خالصًا في إنسانيته، ولم يكن يميل إلى الشر.

لماذا وصف الله هؤلاء بالروح؟

  • لأنهم كانوا من أشرف المخلوقات.
  • لأنهم يمثلون صفات معينة من الرحمة والنقاء والهداية.
  • لأن الله هو المتصف بالرحمة المطلقة والحكمة والقدرة على الخلق.

كيف يرتبط هذا بمفهوم الروح؟

  • الله سبحانه وتعالى هو الكمال المطلق، وهو المصدر الأول للرحمة والهداية.
  • عندما خلق الله بعض المخلوقات وأعطاهم صفة "الروح"، فإنه جعلهم دلالة على صفاته العظمى.
  • المخلوقات التي وُصفت بالروح هي في حد ذاتها دليل على صفات الله، وهي بمثابة آيات تشهد على عظمته ورحمته.

لا يمكننا أن نطلق على هذه المخلوقات التي منحها الله الروح لقب "أبناء الله"، فهذا يُعتبر شركًا عظيمًا.

مثال توضيحي: النبي عيسى (عليه السلام) والإنجيل

  • النبي عيسى (عليه السلام) كان مستفيدًا من وحي الله وكلماته، فقد أوحى الله إليه الإنجيل.
  • جميع الأنبياء والرسل الذين أنزل الله عليهم الكتب السماوية، قد تلقوا الوحي الإلهي على شكل كلمات وأوامر وتشريعات.
  • لماذا أنزل الله عليهم هذه الكتب؟
    • لكي يتبع الناس الأوامر الواضحة (الآيات المحكمة).
    • لكي يتأملوا الآيات المتشابهة لفهم العوالم الغيبية.

الله هو المتفرّد بالقدرة على الخلق والإحياء

الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:

"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [يس:82]

  • هل يستطيع أي مخلوق أن يخلق بمجرد أن يقول "كُن"؟
  • هل يمكن لأي مخلوق أن يخلق السماوات والأرض، أو يُعيد الخلق يوم القيامة؟

بالطبع لا، فهذه خصائص إلهية لا يملكها إلا الله وحده.

الفرق بين امتلاك الروح والقدرة الإلهية المطلقة

  • البشر يمكنهم أن يُمنحوا الروح، لكن لا يمكنهم أن يكونوا مثل الله.
  • الله هو المتفرّد بالعلم المطلق، والقدرة المطلقة، والإرادة المطلقة، ولا يمكن لأي مخلوق أن يتصف بهذه الصفات.
  • امتلاك الروح يعني أن الإنسان قادر على الطاعة، وعلى القيام بالخير، ولكنه يظل عبدًا لله.

خطر الشرك واعتبار المخلوقات "أبناء الله"

  • القول بأن عيسى (عليه السلام) هو ابن الله شرك عظيم، لأن الله ليس له أبناء، وهو لا يحتاج إلى أحد.
  • المخلوقات التي وُصفت بأنها تمتلك الروح هي فقط مخلوقات كريمة وشريفة، لكنها تبقى عبدةً لله.

القرآن الكريم يحذر من الفهم الخاطئ للآيات المتشابهة

قال الله تعالى في سورة آل عمران، الآية 7:

(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)

  • الذين في قلوبهم زيغ يركزون فقط على الآيات المتشابهة، بحثًا عن الفتنة.
  • أما الراسخون في العلم، فيؤمنون بأن كل القرآن من عند الله، سواء الآيات الواضحة أو المتشابهة.

النتيجة

  • لا يجوز تحريف مفهوم الروح أو جعل عيسى (عليه السلام) ابنًا لله.
  • الآيات المحكمة تحدد لنا الطريق الصحيح لفهم الدين.
  • الآيات المتشابهة هي اختبار لمدى إيمان الناس، ولا يجب تأويلها بطريقة تخالف العقيدة الصحيحة.
  • القرآن الكريم محفوظ من التحريف، ولن يتمكن أحد من تغييره كما حدث مع الكتب السابقة.

القرآن الكريم يحتوي على آيات محكمة وأخرى متشابهة

الآية الكريمة تؤكد لنا أن القرآن الكريم يتضمن آيات محكمة وأخرى متشابهة، كما توضح أن الذين يركزون فقط على الآيات المتشابهة هم أصحاب القلوب المريضة والمنحرفة.

أما أهل العلم الراسخون وأصحاب العقول السليمة، فإنهم يقولون:

"نحن نؤمن بالآيات المحكمة والمتشابهة، فكلها من عند الله".

  • هؤلاء لا يتجاهلون الآيات المحكمة من أجل تفسير الآيات المتشابهة فقط.
  • بل يقرؤون ويفهمون ويطبقون الأحكام الشرعية كما وردت في سورة آل عمران.
  • هؤلاء هم الذين ينالون نورًا وهدايةً من الله.

الخلاصه :

 الفرق بين سورتي البقرة وآل عمران

1.   سورة البقرة تعلمنا اتباع الأحكام الشرعية بوضوح:

o        عدم مخالفة أوامر الله.

o        عدم التحايل على الأحكام.

o        عدم تفسير الشرائع وفق الأهواء الشخصية.

2.   سورة آل عمران تعلمنا الإيمان بالغيب بطريقة صحيحة

o        علينا الإيمان بالحقائق الغيبية التي أخبرنا الله عنها.

o        الغيب يجب أن يدفعنا إلى العبادة الصادقة والسعي إلى رضا الله.

o        لا ينبغي أن ننشغل بالغيب فقط ونتجاهل واجباتنا في الحياة الدنيا.

تحذير من الانحراف في فهم الدين

  • الذين يسعون وراء أسرار الغيب فقط دون الالتزام بالعبادة الحقيقية هم ضالون.
  • الذين يفسرون الدين وفق أهوائهم الشخصية ويتركون الأحكام الواضحة هم منحرفون.
  • يجب علينا الاستفادة من نعم الله في الدنيا، واستخدامها لزيادة حسناتنا وطلب رضا الله.

أهمية تلاوة سورتي البقرة وآل عمران بانتظام

يجب أن نكثر من قراءة هاتين السورتين، لأنهما:

  • تحتويان على الأحكام التي تحفظ لنا ديننا.
  • تعلّمانا كيفية التوازن بين الإيمان بالغيب والعمل في الدنيا.
  • ستكونان نورًا لنا في الدنيا والآخرة.

خاتمة

القرآن الكريم محفوظ من التحريف، وسورتي البقرة وآل عمران ستبقيان نورين عظيمين لمن يتبع هدايتهما.

نسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يجعل هاتين السورتين شفيعتين لنا يوم القيامة.

هذا ما أردت مشاركته اليوم، فإن كان هناك خطأ أو نقص فأسأل الله المغفرة، وجزاكم الله خيرًا  .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دروس سورة الفاتحه (1) الاستعاذة بالله – درع المؤمن ضد الوسوسة والانحراف

رحلتي من الصين الى الاسلام

دروس سورة الفاتحه (4) "رَبِّ الْعَالَمِينَ" — سر العوالم وشهادة الخلق بوحدانية الله