دروس سورة الفاتحه (3) شفاءٌ للبدن والروح والقلب
مقدمه
سورة الفاتحة، أعظم سور القرآن الكريم، ليست مجرد تلاوة تتكرر في صلواتنا، بل هي مفتاح للشفاء والهداية والنور. فقد سُميت بـ"الصلاة"، و"السبع المثاني"، و"أم الكتاب"، ودلّت الأحاديث النبوية والقرآن الكريم على عظمة شأنها في معالجة ثلاثة أنواع من الأمراض:
1.
البدنية:
كما في حديث الصحابي الذي رقى مريضًا بالفاتحة فشفاه الله.
2.
الروحية والعقلية:
لاحتوائها على معاني الهداية، وتثبيت الإيمان، والنور الفكري.
3.
القلبيّة:
فهي سبب في تطهير القلوب من الحقد والحسد والضغينة، وتمنح نور الطمأنينة.
الفاتحة تُتلى 17 مرة يوميًا، وهو عدد مرتبط بالإسراء والمعراج، حين فُرضت الصلاة، وهي الباب الذي فتحه الله لشفاء الأمة جسدًا وروحًا وقلبًا.
وفي حديثٍ عظيم، بشّر جبريل عليه السلام النبي ﷺ بأن الفاتحة وخواتيم البقرة نوران لم يُعطيا لنبي قبله، ولن يُتلى منهما حرف إلا وكان سببًا في الأجر والنور والشفاء.
خلاصة :
سورة الفاتحة هي غذاء الروح ودواء الجسد ونور القلب، وهي أعظم أبواب القرب من الله، وعلينا أن نُدركها بوعي، ونعيش معانيها بصدق، حتى ننال فضلها وشفاءها في الدنيا والآخرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي وأخواتي الأعزاء، نحمد الله سبحانه وتعالى ونصلي ونسلم على نبينا وخاتم المرسلين محمد ﷺ، ونسأل الله أن يرضى عن جميع الصحابة الكرام.
موضوعنا اليوم هو التعرف على عظمة سورة الفاتحة من خلال فهم كيف يمكن أن تكون شفاءً لثلاثة أنواع من الأمراض:
مرض البدن، ومرض الروح، ومرض القلب.
مكانة سورة الفاتحة في القرآن والسنة
:
القرآن الكريم هو كتاب محفوظ بحفظ الله، وأول سورة فيه هي سورة الفاتحة، والتي تُسمى أيضًا "الصلاة"، لأن الله سبحانه وتعالى سمّاها بنفسه
"الصلاة"، كما ورد في الحديث القدسي:
"قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل".
أهمية قراءة الفاتحة في الصلاة
نعلم جميعًا أن الصلاة، سواء كانت فرضًا أو نافلة، لا تصح بدون قراءة سورة الفاتحة، وهذا هو الرأي الذي أجمع عليه العلماء.
لذلك، نحن نقرأ سورة الفاتحة ما لا يقل عن 17 مرة يوميًا في الصلوات الخمس المفروضة، مما يؤكد عظمتها ومكانتها في الإسلام.
ارتباط الرقم 17 بالإسراء والمعراج
نحن نعلم أن الصلاة فُرضت على الأمة الإسلامية بعد رحلة الإسراء والمعراج التي قام بها النبي ﷺ، حيث تم تحديد الصلوات الخمس خلال هذه الرحلة العظيمة.
ومن المثير للاهتمام أن سورة الإسراء تحمل الرقم 17 في ترتيب سور القرآن الكريم، وهو نفس عدد المرات التي نقرأ فيها سورة الفاتحة يوميًا في الصلاة.
ما رآه النبي ﷺ خلال الإسراء والمعراج
عندما أُسري بالنبي ﷺ، رأى النار والجنة، حيث شاهد:
- علامات جهنم،
ورأى
الملائكة
الموكلة
بعذابها.
- شاهد آكلي
أموال
اليتامى،
وأصحاب
الربا،
والزناة،
والنساء
اللاتي
ينجبن
أبناء
من
الزنا.
- كما رأى
الجنة،
والتقى
بالأنبياء
الذين
استقبلوه
وسلموا
عليه،
وشهد
الأنهار
الأربعة
التي
تجري
فيها.
كل هذا يثبت أن الصلاة فُرضت بعد الإسراء والمعراج، وأنها مرتبطة بعالم الغيب الذي رآه النبي ﷺ.
كيف فُرضت الصلاة :
نعلم أن الله سبحانه وتعالى أمر في البداية بخمسين صلاة يوميًا، ولكن بعد عدة تخفيفات، أصبحت خمس صلوات، ومع ذلك، فإن أجرها يعادل خمسين صلاة.
وفي هذه الصلوات الخمس، نقف 17 مرة، ونقرأ الفاتحة 17 مرة، وهذا يوضح مدى أهمية هذه السورة العظيمة في حياة المسلم.
نحن جميعًا نعلم أن النبي محمد ﷺ رأى النار والجنة ووصل إلى أعلى درجات الكمال والجمال عندما كلمه ربه خلال رحلة الإسراء والمعراج.
السر وراء الرقم 17
عند التأمل في الأعداد:
- 7 طبقات
من
جهنم
- أصحاب الأعراف
(الذين
لم
يدخلوا
الجنة
ولا
النار،
بل
كانوا
في
الأعراف)
- 8 طبقات
من
الجنة
- الوصول إلى
الكمال
الأعظم
حيث
كلم
الله
نبيه
ﷺ
كل هذا يُكمل العدد 17، وهو نفس العدد الذي نقرأ فيه سورة الفاتحة يوميًا.
كما أن سورة الإسراء تأتي في الترتيب 17 في المصحف، ونقوم بالقيام في الصلاة 17 مرة يوميًا، ونقرأ سورة الفاتحة 17 مرة، وهذا من الأسرار العظيمة التي تستوجب منا الحمد والثناء لله.
فوائد الصلاة لجسدنا وروحنا وقلبنا
رحلة الإسراء والمعراج كانت بالجسد والروح، ونحن أتباع النبي ﷺ نستفيد من ذلك من خلال الصلاة.
عندما نقف في الصلاة، فإننا نواجه الكعبة المشرفة، ولكن الأهم من ذلك أننا نقف لذكر الله، ونركع ونسجد له طمعًا في رضاه.
- في الدنيا،
نتوجه
إلى
القبلة
في
صلاتنا.
- في الآخرة،
سيمنحنا
الله
سبحانه
وتعالى
جسدًا
سليمًا،
وروحًا
طاهرة،
وقلبًا
نقيًا،
وسيمكننا
من
رؤيته
في
الجنة.
لذلك، إذا كان لدينا أي مرض في الجسد، أو الروح، أو القلب، فإن الصلاة هي العلاج الشافي لهذه الأمراض.
التعرف على قدرة سورة الفاتحة في شفاء الأمراض البدنية
عندما سميت سورة الفاتحة بـ "أم الكتاب"، ورد في صحيح البخاري حديث عن فضلها في شفاء الأمراض.
يروي أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنه أثناء سفرهم، التقوا بجارية قالت لهم:
"إن سيد الحي لديغ، وليس لدينا أحد يعالجه، فهل منكم من يستطيع قراءة رقية عليه؟"
وكان المقصود بـ "الرقية"
هنا هو الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى لطلب الحفظ والشفاء.
فتقدم أحد الصحابة، ولم يكن معروفًا بينهم بأنه كان يقرأ الرقية، فقرأ على رئيس القبيلة سورة الفاتحة، فشُفي تمامًا من لدغة العقرب أو الحية.
وبعد شفائه، أمر رئيس القبيلة بمكافأتهم بـ ثلاثين رأسًا من الغنم، وقدم لهم طعامًا من الحليب.
بعد ذلك، سأل الصحابة الرجل الذي قام بالرقية:
"هل كنت تعرف الرقية من قبل أم أنها المرة الأولى؟"
فقال: "لم أقرأ إلا أم الكتاب (سورة الفاتحة)".
وعندما عادوا إلى المدينة، أخبروا النبي ﷺ بما حدث، فقال:
"كيف علم أنها رقية؟ خذوا هذه الغنم واقتسموها، واجعلوا لي نصيبًا منها."
دلالة الحديث على فضل سورة الفاتحة في الشفاء
هذا الحديث يوضح أن الصحابي استطاع علاج مرض بدني باستخدام سورة الفاتحة، إذ أن لدغة العقرب أو الأفعى تسبب ألمًا جسديًا شديدًا وتسممًا، ولكن بمجرد قراءة سورة الفاتحة عليه، شفاه الله تمامًا.
وهذا يدل على أن هذا الصحابي كان عبدًا مقربًا من الله، وكان دعاؤه مستجابًا، كما أن صلاته كانت مقبولة بالكامل، لأن سورة الفاتحة كانت كافية بحد ذاتها لعلاج المرض.
الشفاء من الله، والأسباب مجرد وسائل
كما ورد في سورة الشعراء على لسان إبراهيم عليه السلام، حيث قال:
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ - الشعراء:80
وهذا يبين لنا أن الشفاء بيد الله وحده، أما الأدوية والعلاجات الطبية فهي مجرد أسباب
فالله هو الذي أوجد الأدوية، وهو الذي خلق طرق العلاج مثل الأدوية والعمليات الجراحية، ولكنه قادر أيضًا على شفاء الإنسان مباشرة بدون الحاجة إلى أي وسيلة أخرى، كما حدث مع الصحابي الذي استخدم سورة الفاتحة فقط للرقية.
دلالة
"أم الكتاب"
في القرآن الكريم
في سورة آل عمران، الآية 7، يقول الله سبحانه وتعالى:
هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتࣱ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰاتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغࣱ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلْبَٰبِ
وهذه الآية تشير إلى أن الآيات المحكمة هي أساس القرآن، ومنها "أم الكتاب"
(سورة الفاتحة)، التي تعتبر مفتاحًا للفهم والهداية والشفاء.
قال الله تعالى:
هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتࣱ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ
أي أن الله أنزل القرآن الكريم، وجعل فيه آيات واضحة محكمات ، وهي التي تُعدّ أم الكتاب، أي أساس التشريع والأحكام الإلهية.
بما أن أم الكتاب هي المصدر الأساسي للتشريع، فإن أي قانون أو حكم فقهي يجب أن يستند إلى النصوص الواضحة من القرآن الكريم.
وعندما سُمّيت سورة الفاتحة بـ"أم الكتاب"، فهذا يدل على أن القرآن الكريم، وهو كلام الله، يحتوي على أوامره وأحكامه وشرائعه.
ولذلك، فإن أي تشريع محكم يجب أن يستند إلى النصوص الواضحة وأساس الكتاب.
الصحابي الذي شُفي بقراءة سورة الفاتحة
الصحابي الذي قرأ أم الكتاب على المريض فشُفي، كان رجلاً صالحًا تقيًا، بعيدًا عن المحرمات ومتمسكًا بالأوامر الشرعية، مما جعله يستحق هذه البركة والرحمة الخاصة من الله.
فكونه استطاع شفاء شخص بمجرد قراءة الفاتحة يدل على أنه كان عبدًا تقيًا يخاف الله، ويؤدي العبادات بإخلاص، وكانت صلاته مقبولة تمامًا، مما جعل الله يمنحه هذا الفضل العظيم.
سورة الفاتحة شفاء للأمراض الروحية (مرض العقل والفكر)
عندما سُمّيت سورة الفاتحة بـ "السبع المثاني"، فقد أُشير إلى قدرتها على شفاء الأمراض الروحية.
ما هو المرض الروحي؟
- هو ضعف
الفكر
والإدراك
السليم.
- هو عدم
الفهم
الصحيح
للحقائق.
- هو الجهل
بالحقيقة
وضعف
الإيمان.
حديث النبي ﷺ عن عظمة الفاتحة
في مسند الإمام أحمد، يروي أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) حديثًا عن النبي ﷺ، قال فيه:
**"كنت في المسجد أصلي، فناداني رسول الله ﷺ فلم أجبه، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله، كنت أصلي. فقال: ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ ثم قال: لأعلمنّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد. فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله، ألم تقل: لأعلمنّك أعظم سورة في القرآن؟ قال: نعم، الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته."
الدلالة من هذا الحديث
النبي ﷺ كان يريد أن يعلم الصحابي شيئًا عظيمًا قبل أن يخرج من المسجد، وهو أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي سورة الفاتحة.
وهذا يدل على أن السبع المثاني هي وحيٌ خاصٌ أنزله الله على النبي ﷺ، وهو أعظم جزء من القرآن.
الآية الدالة على أهمية اتباع أوامر الله ورسوله
في سورة الأنفال، الآية 24، يقول الله تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
أي أن الله يأمر المؤمنين بالاستجابة له ولرسوله، لأن دعوة النبي ﷺ تجلب لهم الحياة الحقيقية، وهي الهداية والنور.
وبذلك، فإن سورة الفاتحة ليست مجرد سورة في القرآن، بل هي أعظم سورة نزلت على النبي ﷺ، وهي شفاءٌ للأمراض البدنية والروحية والعقلية.
إن الحج والعمرة يتضمنان الطواف والسعي، وكلاهما من العبادات.
سواء كنا نؤدي الحج أو العمرة، فهناك ذكرى مهمة يجب إحياؤها، وهي ذكرى إبراهيم عليه السلام، وابنه إسماعيل عليه السلام، وأم إسماعيل (رضي الله عنها)، فهؤلاء قدموا حياتهم مقابل الثواب الأبدي في الآخرة، وكانوا مؤمنين إيمانًا راسخًا بالروح والبعث.
وهذا ما يجب أن نتذكره ونتعلمه منهم، حتى نصل إلى عبادة الله وذكره على الوجه الأكمل.
عند قراءة ذلك، يجب أن نتأمل في أرواحنا، هل تمتلك العقل السليم والفكر المستقيم؟
إذا كان الإنسان يعتقد أن الحياة تقتصر على الدنيا فقط، وأنه لا يوجد حساب بعد الموت، فإن روحه غير سليمة.
حتى وإن كان الشخص يؤمن بالبعث، لكنه لم يتبع الرسول ﷺ بعد بعثته، ولم يستجب لدعوته، فإنه يفتقر إلى الإيمان الكامل، لأن الله سبحانه وتعالى أتم نعمته وأكمل دينه، فقال:
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"
المائدة: 3
لأن هذا الدين المتكامل يشمل الإيمان، الصلاة، الصيام، الزكاة، والحج، ومن خلاله نحقق العبودية الكاملة لله، وننال رضاه والثواب الأبدي برؤيته في الجنة.
هناك كثيرون من أهل الكتاب يؤمنون بالبعث، لكنهم لم يستجيبوا لدعوة النبي ﷺ بعد بعثته، مما يجعل إيمانهم ناقصًا وغير مكتمل.
لذلك، فإن الاستجابة لدعوة النبي محمد ﷺ، واتباع الدين الإسلامي الكامل، هو السبيل للإيمان الصحيح، والفوز بالسعادة الأبدية في الآخرة.
هناك كثيرون من أهل الكتاب يؤمنون بالبعث، لكن بعد بعثة النبي الخاتم ﷺ لم يستجيبوا لدعوته، وبالتالي فإن إدراكهم الروحي غير مكتمل وأرواحهم ناقصة.
ولهذا، عند الحديث عن وجوب الاستجابة للدعوة، نجد أن النبي محمد ﷺ كان يعلم أصحابه كيفية طاعة الله وطاعة رسوله.
وفي سورة الأنفال، الآية 24، يقول الله تعالى:
"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"
أي أن الإدراك الروحي السليم يقتضي الاستجابة لرسول الله ﷺ.
ونحن نتعلم من هذا الحديث النبوي أن الصلاة اليومية، وتكرار تلاوة السبع المثاني (سورة الفاتحة)، إذا قُبلت من الله، فإنها تضمن لنا سلامة الفكر وإدراكًا روحيًا صحيحًا وكاملًا.
الآن ندرس كيف يمكن لسورة الفاتحة، عندما تُسمى بـ "فاتحة الكتاب"، أن تعالج أمراض القلب، وهذا ما نتعلمه من صحيح البخاري.
يروي ابن عباس (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ كان جالسًا مع جبريل عليه السلام، فسمعا فجأة صوتًا من السماء. فرفع جبريل عليه السلام بصره وقال:
"هذا صوت باب في السماء فُتح اليوم، ولم يُفتح قط من قبل."
ثم قال ابن عباس (رضي الله عنه) إن مَلَكًا نزل من السماء إلى النبي ﷺ وقال له:
"ابتهج لنيلك نورين لم يُعطهما نبي قبلك، وهما فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ منهما حرفًا إلا وأُعطيت أجره."
دلالة الحديث
في هذا الحديث، يُذكر أن "سورة الفاتحة"
و "خواتيم سورة البقرة"
هما نوران لم يُعطيا لأي نبي قبله ﷺ.
دعاء خواتيم سورة البقرة
نحن نعلم أن آخر آيتين من سورة البقرة هما دعاء عظيم علمنا الله سبحانه وتعالى إياه، حيث يقول:
"رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا، رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ."
أي أن الله يعلّمنا كيف ندعوه، ونطلب مغفرته ورحمته، ونستعين به ضد أعداء الدين.
أما سورة الفاتحة، فنحن نعلم أنها سورة الدعاء، وعندما ننتهي من قراءتها، نقول آمين، أي أننا نسأل الله أن يستجيب دعاءنا.
هاتان الآيتان اللتان وصفتا بأنهما نوران تحتويان على الدعاء، كما أن الآية قبل الأخيرة من سورة البقرة تتحدث عن الإيمان الصحيح، بينما في ختام سورة الفاتحة، نسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم.
الناجون من الصراط هم الذين كانوا على الصراط المستقيم في الدنيا، واجتازوا الحساب من خلال أركان الإسلام: الشهادة، الصلاة، الصيام، الزكاة، والحج.
أي شخص يعبر الصراط، فهو شخص ذو إيمان صحيح، يحمل نورًا فوق نور، أي أنه يمتلك نور الإيمان، ونور عبادة الله، ونور حسن الأخلاق.
ومن كان يحمل هذا النور القلبي، فلن يكون في قلبه حقد، أو كراهية، أو حسد، أو ضغينة، أو انحراف عن الحق.
الله سبحانه وتعالى ينزع من قلوب أهل الجنة كل المشاعر السلبية، فلا يدخل الجنة إلا من كان قلبه نقيًا من كل غل وانحراف.
رسالة هذه الأحاديث عن النبي ﷺ
الله سبحانه وتعالى أعطى نبينا محمد ﷺ هذين النورين، ليكون هادياً لنا، وسببًا في حصولنا على النور والهداية.
في هذا الحديث، نرى النبي ﷺ في مجلس مع جبريل عليه السلام، وهذا يدل على أهمية نقاء القلب، والإيمان الصادق، والمحبة في الله.
جبريل عليه السلام هو رمز للمحبة في الله، فهو يحمل البشارة لمن أحبهم الله، وإذا أحب الله عبدًا، أمر جبريل أن يخبر أهل السماء بحبه، ثم يلقي له القبول في الأرض.
عظمة سورة الفاتحة في شفاء القلوب
باختصار، تُسمى سورة الفاتحة بـ "الصلاة"
لأنها تُتلى بشكل متكرر في الصلوات. كما تُعرف أيضًا باسم أم الكتاب، السبع المثاني، وسورة الفاتحة.
إذا قُبلت صلاة الإنسان من الله وأصبح عبدًا متعبدًا لله، فإن سورة الفاتحة ستكون سببًا في شفاء أمراض الجسد، وأمراض الروح (ضعف الفكر والإدراك)، وأمراض القلب.
نسأل الله أن يرزقنا هذا الفضل العظيم
كما أن سورة الفاتحة لا تقتصر على شفاء الإنسان لنفسه، بل يمكنه من خلالها إرشاد الآخرين ومساعدتهم على الشفاء، ونسأل الله أن يمنحنا هذه الفرصة.
هذا ما أردت مشاركته اليوم، وإذا كان هناك أي تقصير أو زلة لسان، أسأل الله العلي العظيم المغفرة، وأرجو منكم العذر والتسامح.
من هذا الحديث، نفهم أن سورة الفاتحة تعالج أمراض القلوب، وهذا جزء من عظمتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات
إرسال تعليق