دروس سورة الفاتحه (2) : عظمة وأثر البسملة في حياة المسلم

 

   مقدمة :

في هذا الدرس الإيماني، نتأمل في عظمة "البسملة" وأثرها الكبير في حياة المسلم قولًا وفعلاً. فعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست مجرد كلمات تُقال على الألسنة، بل هي مفتاح للبركة، والحماية، والرضا الإلهي.

نتعلّم من القرآن الكريم والسنّة النبوية أن البسملة تسبق كل خير، وهي درعٌ من الشيطان، ووسيلةٌ لطلب العون من الله في كل أمر. فهي ذكرٌ لثلاثة من أسماء الله العظيمة:

  • الله: اسم الجلالة، الجامع لكل الصفات.
  • الرحمن: صاحب الرحمة العامة لجميع الخلق.
  • الرحيم: صاحب الرحمة الخاصة بالمؤمنين.

الدرس يُبيّن كيف أن نسيان البسملة يجعل الإنسان عرضة لوساوس الشيطان، بينما الإكثار منها يُعلي من شأنه ويُقربه من الله. كما يُستعرض أثر البسملة في قصص الأنبياء، مثل نوح وسليمان عليهما السلام، وكيف كان ذكرهم لله سببًا في النجاة والقوة.

ويُسلّط الضوء أيضًا على دلالة الرقم 19 في البسملة، وعلاقته بسورة المدثر، وحقيقة أن البسملة آية جامعة بين التوحيد والرحمة والحماية.

خلاصة الدرس: من يجعل البسملة منهجًا في حياته، يكون من الذاكرين، الشاكرين، المحفوظين من كيد الشيطان، بل ويكون أهلاً للذكر من الله، ويُرجى له حسن الخاتمة والجنة.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي وأخواتي في هذا الجمع المبارك، نحمد الله سبحانه وتعالى العظيم ونسأله أن يصلي ويسلم على نبينا وخاتم المرسلين محمد ﷺ صلاة وسلامًا لا يُحصيان، ونسأل الله أن يرضى عن جميع الصحابة الكرام.

اليوم نشارك معكم موضوعًا مهمًا، وهو التعرف على عظمة "البسملة".

"البسملة" بعبارة بسم الله الرحمن الرحيم"  تحتوي هذه العبارة على معانٍ عظيمة وحكمة بالغة من الله سبحانه وتعالى، تحتاج منا إلى التأمل والتدبر. اليوم، سأتناول جانبًا واحدًا فقط من هذه الحكمة، وهو أهمية ذكر "البسملة" قبل كل قول أو فعل في حياتنا اليومية.

النطق الكامل للبسملة هو:
بسم الله الرحمن الرحيم

وأبسط أشكالها هو قول "بسم الله"، أي لنبدأ بها أقوالنا وأفعالنا.

وأول ما نتعلمه من السنة النبوية هو عظمة البسملة وفضلها.

ورد في "سنن الترمذي" و "مسند الإمام أحمد" أن أحد الصحابة الذين ركبوا مع النبي ﷺ على نفس الدابة قال: "سقط رسول الله ﷺ عن الدابة، فقلت: تعس الشيطان!" فسمعني النبي ﷺ فقال: "لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل الجبل، ويقول: بقوتي صرعته. ولكن قل: بسم الله، فإنه يصغر حتى يكون مثل الذباب."

كما ورد في هذين المصدرين أن رسول الله ﷺ قال: "إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليقل: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً."

هذان الحديثان الشريفان يعلماننا أن ذكر "البسملة" يوفر الحماية ويمنع الشيطان من التكبر أمام البشر. كما أن قول "البسملة" يمنح الحماية من أذى الشيطان لنا ولذريتنا. هناك العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل "البسملة"، مثل الأحاديث المتعلقة بالجلوس، والقيام، والأكل، والشرب، وقراءة القرآن، والاغتسال، والصلاة، وغير ذلك، لأن أي قول أو فعل لا يبدأ بـ "البسملة" لن يكون فيه الخير والبركة، إذ أن الأعمال التي تبدأ بها هي التي تنال رضا الله وتؤدي إلى جزاء الخير الأبدي في الآخرة.

إن "البسملة" الكاملة تحتوي على ثلاثة من أسماء الله العظيمة: "الله" و "الرحمن" و "الرحيم".

  • اسم "الله" يشير إلى استحقاقه للعبادة وحده، وأنه لا شريك له بأي شكل من الأشكال، فلا يمكن أن يكون له مثيل في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكل ما في الكون هو من صنعه وإبداعه.
  • اسم "الرحمن" يشير إلى رحمته العامة الشاملة لجميع الخلق.
  • اسم "الرحيم" يشير إلى رحمته الخاصة التي يخص بها عباده المؤمنين.

عند ذكر اسم "الله"، فإنه يتضمن جميع هذه المعاني، إذ أن هذا الاسم يحمل دلالة استحقاقه للعبادة وحده، وعدم إمكانية إشراك أي شيء معه في ذاته، أو أفعاله، أو أوامره، أو إرادته، كما أن صفاته، وأخلاقه، وأسماؤه الحسنى جميعها لا يجوز أن يكون لها شبيه أو نظير.

الله هو الرب ذو الرحمة العامة والخاصة، فقد شمل برحمته جميع البشر وجميع المخلوقات، مما يتيح لهم التمتع بنعم الدنيا. وأي شخص لا يشرك به ويسعى إلى ثواب الآخرة ونعيم رؤية الله، سواء كان من البشر أو المخلوقات الأخرى، بما في ذلك الجن، فإنه ينال رحمته الخاصة. لذا، فإن ذكر الرحمن والرحيم يتضمن الإشارة إلى نعمه المقدرة مسبقًا.

لكي ينال الإنسان نعم الدنيا والآخرة، يجب عليه أن يدرك أن كل ما يملكه هو بفضل رحمة الرب الرحمن الرحيم، وأن يكون من الشاكرين , إن معرفته وسلوكه يجب أن يكونا خالصين لله الواحد المستحق للعبادة، مما يدفعه إلى حمد وشكر ربه وخالقه الوحيد، والسعي إلى الجزاء الحسن من رب يوم الدين. لذلك، فإن كل من يذكر "البسملة" يجب أن يكون لديه هذا الإدراك أولًا.

جميع المخلوقات هي نعم منحها الله للبشر، وعندما يكتشف الإنسان أسرار هذه المخلوقات فإنه يطلق عليها أسماء. وعندما خلق الله آدم عليه السلام، علمه أسماء جميع الأشياء ليتمكن من السعي وراء النعم. فكل المخلوقات هي دليل على وجود الله الواحد الأحد، والخالق الحقيقي. لذلك، ينبغي للبشر أن يستخدموا هذه المخلوقات المسماة كوسيلة لمعرفة الخالق الذي له الأسماء الحسنى والصفات العظيمة.

كيف يمكننا التعرف على الخالق؟ لقد أرسل إلينا رسله وأنبياءه وجعلهم يبلغون لنا هدايته، لذا فإن قراءة "البسملة" تعني في ذاتها شهادة بقبولنا لهذه الهداية.

كما أننا نجد "البسملة" في القرآن الكريم، وقد اعتبرها الصحابة والعلماء آية من سورة الفاتحة. وبغض النظر عن ذلك، فهي آية من سورة النمل، ونقرأها عند تلاوة القرآن الكريم في جميع السور، باستثناء سورة التوبة. وهذا يدل على أنه عندما نقرأ "البسملة"، فإننا نشهد بقبولنا لهداية الله، لأننا لا يمكننا معرفة حقيقة المخلوقات وما تحتويه من معاني جوهرية إلا من خلال الهداية التي أنزلها الله إلينا، والتي تكشف لنا أسماءه الحسنى وصفاته العظيمة.

فمن يعرف المخلوقات ويستفيد من نعم الله، ولكنه لا يدرك الآيات الموجودة في هذه المخلوقات، فمن هي هذه الآيات؟ إنها آيات الله

وأهم ما يجب أن ندركه عند قراءة "البسملة" هو أن الله له الأسماء التي لا يجوز أن يُشرك بها أحد، فهو الرحمن الرحيم، وهذا هو الفهم الأساسي لهذه الأسماء العظيمة الثلاثة.

للإنسان عدو واضح وهو الشيطان، الذي يسعى دائمًا لجعله ينسى أهمية "البسملة".

نأخذ مثالًا من قصة آدم عليه السلام، حيث علّمه الله سبحانه وتعالى أسماء جميع المخلوقات، لكي يتمكن هو وزوجته وذريته من الاستفادة من نعمة الرحمن الرحيم. ولكن الشيطان أغواه وجعله يقترب من الشجرة المحرمة ويأكل من ثمرها، مخالفًا بذلك أمر الله.

عندما اقترب آدم عليه السلام وزوجته من الشجرة، كان يتذكر فقط أسماء المخلوقات، لكنه في تلك اللحظة نسي ذكر الله عز وجل، ونسي أن الله هو الإله المستحق للعبادة وحده، الذي لا يجوز الإشراك به، وأن أوامره لا تُعصى، وأنه سبحانه وتعالى قد أنعم عليه بنعمه الشاملة.

لو كان آدم عليه السلام في تلك اللحظة لا يزال متذكرًا أسماء الله وصفاته، وأن الله هو المعبود الذي لا يُشرك به، وأن أوامره يجب أن تُطاع، وأنه الرحمن الرحيم، لما اقترب من الشجرة ولا أكل من ثمرها.

ولكن بعد أن أكلا من الشجرة، أصبحا من الجاحدين لنعمة الله، ولكن بفضل رحمته سبحانه وتعالى، تذكرا أن له اسمًا عظيمًا وهو "التواب"، فتوجها إليه بتوبة خالصة، فقبل الله توبتهما وغفر لهما.

هذه القصة تثبت لنا مدى خطورة الشيطان وشرّه، ولذلك يجب أن نكون دائمًا على حذر. حتى عندما يدرك الإنسان أهمية ذكر "البسملة"، فإن الشيطان لا يتوقف عن إلحاق الأذى به.

فعندما ينسى الإنسان قول "البسملة" عند الأكل، يشارك الشيطان معه في الطعام، وعندما يدخل إلى منزله بدون ذكر الله، يدخل الشيطان معه.

وعندما يتحدث الإنسان أو يلقي خطابًا، يمكن للشيطان أن يجلس على لسانه ويدفعه إلى قول ما لا ينبغي، بل وقد يجعله يتلعثم أو يعجز عن التعبير بوضوح، حتى لو لم يكن كاذبًا. فالشيطان قادر على التسلل إلى الإنسان من كل باب، حتى يتحكم في لسانه ويؤثر على كلامه.

كل هذه الأسس يمكننا استنتاجها من الأحاديث النبوية الشريفة. فعندما يسقط شخص ولم يذكر "البسملة"، فإن الشيطان يسارع إلى السخرية منه، ويتعاظم متفاخرًا بأنه تغلب على الإنسان.

ذلك لأن الشياطين يستطيعون رؤية البشر بوضوح، بينما لا يستطيع البشر رؤيتهم، وهذه حقيقة لا شك فيها. فحتى الكفار والسحرة يدركون ذلك، فكيف بأنبيائنا ورسُلنا الذين أرسلهم الله؟ لقد كان بمقدورهم رؤية هذه الكائنات الروحية، لذا علينا الإيمان بوجودهم.

كل من يُطلق عليه اسم "الشيطان" هو من الجن الذين يتميزون بصفة الشر المطلق، فلا يوجد فيهم أي خير، وهم يسعون دومًا لإلحاق الضرر بالبشر من جميع النواحي، سواءً في أقوالهم أو أفعالهم أو حتى في تفكيرهم وعقلهم.

إذا تمكن الشيطان من السيطرة على الإنسان أو التأثير في سلوكه وكلامه، فإنه سيمنعه من الوصول إلى معرفة الحقيقة الجوهرية الكامنة وراء الظواهر. فكل الظواهر هي في الحقيقة آيات من آيات الله، وتحمل في طياتها دلائل على وجوب الإيمان به. لا يمكننا تحقيق العبادة الكاملة إلا إذا وصلنا إلى معرفة الله معرفةً حقيقية، ومن خلال عبادته يمكننا تحقيق فهم أعمق لكماله وصفاته.

على سبيل المثال، كلمة "شيطان" مشتقة من الجذر "شطن"، والذي يعني "البُعد". وهذا يدل على أن الشيطان قد ابتعد عن الحق والخير، ومن يتبعه أو يغفل عن ذكر اسم الله فإنه بذلك يصبح رفيقًا له، مما يؤدي إلى ابتعاده عن الحقيقة والصلاح.

وقد ذهب العلماء إلى القول بأن طبيعة الشياطين تختلف اختلافًا جذريًا عن طبيعة البشر، وهذا يُعَدُّ شكلًا من أشكال البُعد. كما يمكن تفسير هذا البُعد بأن الشياطين – باعتبارهم كائنات شريرة – هم بعيدون كل البعد عن كل ما هو خير وجميل.

كان الشيطان متكبرًا أمام البشر منذ اللحظة الأولى التي رفض فيها إبليس السجود لآدم عليه السلام. فحينما أمره الله بذلك – ولم يكن هذا أمرًا من آدم نفسه – رفض عصيانًا وتكبرًا. وعندما قرر الله طرده، قال:

قال الله تعالى في سورة الإسراء، الآية 62:

 قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلا

أي أن إبليس قال: "أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ إن أمهلتني إلى يوم القيامة، فسوف أستولي على ذريته وأغويهم جميعًا، إلا القليل منهم."

وهذا يدل على أن إبليس يريد القضاء على ذرية آدم عليه السلام، أي أنه يسعى إلى إضلالهم ودفعهم إلى طريق الجحود والخزي.

كان إبليس دائمًا متكبرًا أمام البشر، ولم يرضخ أبدًا، بل أراد دائمًا أن يجرّهم إلى أدنى درجات الذل والضياع، وهذا ما يمنحه الشعور بالانتصار، وإن كان نصرًا زائفًا لا يدوم إلا في هذه الدنيا الفانية.

لذلك، عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله، سواء بسبب الانشغال بملذات الدنيا، أو بسبب وساوس الشيطان التي تجعله ينسى هذه الأسماء العظيمة الثلاثة، أو لعدم معرفته بوجود هذه الأسماء وصفاتها العظيمة، فإن الشيطان يستغل ذلك ويظهر أمامه وكأنه قد انتصر عليه، ويزداد كبرًا لأنه يرى نفسه قد تغلب على الإنسان خلال هذه المهلة التي أمهله الله إياها.

لكن الشيطان لا يقتصر على إيذاء الإنسان في الدنيا فقط، بل يسعى جاهدًا إلى أن يجعله من أهل النار، ليكون رفيقه في العذاب ويُطرد معه، فيصبح من أهل الجحيم.

وعند تلاوة "البسملة"، نعلم أن "البسملة" مكونة من 19 حرفًا باللغة العربية، وكل من يعرف العربية يدرك أن في سورة المدثر، في الآيتين 30 و31، نجد ذكر عدد 19، حيث يقول الله تعالى:

{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر} [المدثر:30]

أي أن 19 ملكًا موكلون بحراسة جهنم وتعذيب من فيها من الإنس والجن.

قال الله تعالى في سورة المدثر، الآية 31:

 وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ

أي أن الله سبحانه وتعالى جعل ملائكةً موكلين بالنار، وجعل عددهم فتنة للكافرين، ليزداد المؤمنون إيمانًا، وليتيقن أهل الكتاب، وليكون ذلك اختبارًا للذين في قلوبهم مرض.

لذلك، عند فهم أهمية البسملة، ينبغي علينا أيضًا أن نعي هذا المعنى جيدًا.

ذكر "البسملة" في قصة نوح وسليمان عليهما السلام

في القرآن الكريم، نجد أن نوح عليه السلام عند صعوده إلى السفينة أمر من معه من المؤمنين، وكذلك الحيوانات التي كانت برفقته، بأن يذكروا "بسم الله".

قال الله تعالى في سورة هود:

 وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ - هود: 41

أي أن نوحًا عليه السلام قال: "اركبوا السفينة باسم الله، فهو الذي يجريها ويسيرها، وهو الذي يوقفها، وإن ربي لغفور رحيم".

ومن هذه القصة نتعلم أن الله عاقب المتكبرين الذين رفضوا الانضمام إلى سفينة النجاة، فكانوا قد تحالفوا مع الشيطان في تكبرهم وضلالهم.

كيف نستفيد من قصة نوح عليه السلام؟

إذا كنا من الذين يذكرون اسم الله، ونكثر من حمده وشكره، أو على الأقل نبدأ أقوالنا وأفعالنا بذكر "البسملة"، فإننا قد نكون في مأمن من المصائب والكوارث.

لماذا؟ لأن ذكر الله يجعلنا في حمايته، ويبعد عنا الضرر، ويجعلنا في عداد الشاكرين، لا في عداد المتكبرين الظالمين.

وفي سورة الإسراء، نجد أن الله ذكر أن نوحًا ومن ركب معه كانوا من الشاكرين، حيث قال تعالى:

 ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا  -الإسراء: 3

أي أن نوحًا عليه السلام كان عبدًا كثير الشكر، وكذلك من نجا معه كانوا من الشاكرين.

قال الله تعالى إن نوحًا عليه السلام كان من الشاكرين، وإذا كنا نحن أيضًا ممن يذكرون الله ويشكرونه بانتظام، فإن الله سبحانه وتعالى سيحمينا من الكوارث والعقوبات التي يرسلها لاختبار الناس ومعاقبتهم.

ذكر "البسملة" في قصة سليمان عليه السلام

في سورة النمل، عندما أرسل سليمان عليه السلام رسولًا إلى ملكة سبأ بلقيس برسالة يدعوها فيها إلى الإسلام، بدأها بذكر "البسملة" الكاملة، حيث قال الله تعالى:

 إِنَّهُۥ مِن سُلَيْمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ  -النمل: 30

وهذا يدل على أن سليمان عليه السلام كان دائمًا يذكر اسم الله في كل أقواله وأفعاله.

تسخير الجن والشياطين لسليمان عليه السلام

نعلم أن الله منح سليمان عليه السلام ملكًا عظيمًا، حيث جعله قادرًا على تسخير الجن، فكان يتحكم فيهم، وكان يقيد الشياطين الأشرار أو يجبرهم على خدمته، فيبنون له القصور، ويصنعون له القدور الكبيرة، ويغوصون في البحار لاستخراج اللؤلؤ.

لم يكن أي شيطان قادرًا على إيذائه، بل كانوا جميعًا في خدمته، وهذا يوضح لنا أن سليمان عليه السلام كان دائمًا في ذكر الله، وكان يستفتح كل أمره بـ"البسملة". فلو غفل عن ذكر الله ولو للحظة واحدة، لما استطاع السيطرة عليهم.

الاستفادة من قصة سليمان عليه السلام

في سورة ص، نجد أن سليمان عليه السلام كاد أن يغفل عن ذكر الله بسبب انشغاله بالخيل، وعندما أدرك ذلك، قرر أن يضحي بها حتى لا يكون هناك شيء يشغله عن ذكر الله.

وهذا يعلمنا أن من أراد أن يكون في مأمن من الشياطين، ومن أراد أن يحصّن نفسه من وساوسهم وإيذائهم، وحتى من أراد أن يتجنب أي نوع من التكبر أو الغفلة، فعليه أن يكون دائم الذكر لله، وأبسط وأهم ذكر هو "البسملة".

إن "البسملة" تحتوي على ثلاثة من أسماء الله العظيمة، وذكرها قبل القيام بأي فعل هو بحد ذاته نوع من ذكر الله.

فكروا كم مرة نذكر "البسملة" من لحظة استيقاظنا في الصباح حتى ننام في المساء!

لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه إذا ذكرناه، فإنه سيذكرنا، وهذه "البسملة" تتضمن ذكر أسمائه العظيمة. لذا، فإننا نقولها مرات لا تحصى طوال حياتنا، وإذا التزمنا بها بصرامة، سنكون من الذاكرين لله.

وبذلك، لن نحصل فقط على حسن الخاتمة في الدنيا ونتجنب أذى الشياطين، بل سنكون أيضًا من الذين يذكرهم الله سبحانه وتعالى في الآخرة.

وبالتالي، سنكون من الشاكرين، وكل الشاكرين لهم الجنة جزاءً ونعيمًا.

هذا ما أردت أن أشاركه معكم اليوم. إذا كان هناك أي نقص أو خطأ في الطرح أو زلة في اللسان، فأسأل الله العلي العظيم المغفرة، وأرجو منكم العذر والتسامح.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحلتي من الصين الى الاسلام

دروس سورة الفاتحه (1) الاستعاذة بالله – درع المؤمن ضد الوسوسة والانحراف

دروس سورة الفاتحه (4) "رَبِّ الْعَالَمِينَ" — سر العوالم وشهادة الخلق بوحدانية الله